الإسلام سؤال وجواب

الحسبة والشرطة والعسس في الدولة الإسلامية

1:33 ص نشر في : التعليقات
الحسبة في الإسلام
عرّف ابن خلدون الحسبة بأنّها: وظيفة دينيّة من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو فرض على القائم بأمر المسلمين.
وجاء في اصطلاح الماوردي أنّها: أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله، وقال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104].
الفرق بين المتطوّع والمحتسب
وجد الماوردي أنّ بين المتطوّع والمحتسب تسعة أوجه:
1- أنّ فرضه متعيّن على المحتسب بحكم الولاية، وفرضه على غيره داخل في فروض الكفاية.
2- أنّ قيام المحتسب به من حقوق تصرّّفه الذي يجوز أن يتشاغل عنه، وقيام المتطوّع به من نوافل عمله الذي يجب أن يتشاغل عنه بغيره.
3- أنّه منصوب للاستعداء إليه فيما يجب إنكاره، وليس المتطوّع منصوبًا للاستعداء.
4- أنّّ على المحتسب إجابة من استعداه وليس على المتطوّع إجابته.
5- أنّّ عليه أن يبحث عن المنكرات الظاهرة ليصل إلى إنكارها، ويفحص عما ترك من المعروف الظاهر ليأمر بإقامته، وليس على غيره من المتطوعة بحث ولا فحص.
6- أنّ له أن يتخذ على إنكاره أعوانًا، لأنّه عمل هو له منصوب، وإليه مندوب، ليكون له أقهر وعليه أقدر، وليس للمتطوّّع أن يندب لذلك أعوانا.
7- أنّّ له أن يعزّر في المنكرات الظاهرة لا يتجاوز إلى الحدود، وليس للمتطوّع أن يعزّر على منكر.
8- أنّّ له أن يرتزق على حسبته من بيت المال، ولا يجوز للمتطوّع أن يرتزق على إنكار منكر.
9- أنّّ له اجتهاد رأيه فيما تعلق بالعرف دون الشرع، فيقرّ وينكر من ذلك ما أدّاه اجتهاده إليه، وليس هذا للمتطوّع، فيكون الفرق بين والي الحسبة وإن كان يأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبين غيره من المتطوّعين، وإن جاز أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر من هذه الوجوه التسعة(1).
علم آداب الحسبة
هي من جملة الواجبات ولا بد وأن يكون المحتسب عالماًً بمواقع الحسبة وأن يكون ورعًا حسن الخلق إذ العلم والورع لا يكفي في اللطف والرفق ما لم يكن لصاحبه حسن الخلق، ومن آدابها تقليل العلائق حتى لايكثر خوفه ويقطع الطمع حتى تزول عنه المداهنة، وهذا العلم من العلوم المتعلقة بالعادات ذكره في مدينة العلوم وقد تقدّّم الكلام عليه أيضا في علم الاحتساب(2).
شروط المحتسب
وأجمل الفقهاء المسلمون وفي مقدّمتهم الشيزري صاحب كتاب (نهاية الرتبة في طلب الحسبة) الشروط الواجب توفّرها في المحتسب ومنها: أن يكون فقيهًا عارفًا بأحكام الشريعة، وأن يعمل بما يعلم بحيث لا يكون فعله مخالفًا لقوله، وأن يقصد في قوله وفعله وجه الله تعالى، وطلب مرضاته، مخلصًا النية، لا يشوبه في طوّية رياء ولا مراء، وأن يكون مواظبًا على سنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مع القيام على الفرائض والواجبات، وأن يكون من شيمته الرفق، ولين القول، وطلاقة الوجه، وسهولة الأخلاق عند أمره للناس ونهيهم، وأن يكون عفيفًا عن أموال الناس، متورّعًا عن قبول الهديّة من المتعيّّشين وأرباب الصناعات لأنّها رشوة، وعليه أن يلزم أعوانه وغلمانه بما التزمه بهذه الشروط، وأن يكون بالغًا، عاقلاً، ذا رأي وصرامة وخشونة في الدين، وعلم بالمنكرات الظاهرة، وان يكون عالمًا من أهل الاجتهاد، عفيفًا منزّهًا عن قبول الرشوة.
وقد تولّى الرسول صلى الله عليه وسلم الحسبة بنفسه، وقلّدها غيره، واتبعها من بعده الخلفاء، ثم صارت ولاية من ولايات الإسلام، ونظامًا من أنظمة الحكم التي جرى عليها الولاة والحكام، وعيّن الرسول صلى الله عليه وسلم سعد بن سعيد على سوق مكّة لمراقبتها، كما استعمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على سوق المدينة.
وتذكر المصادر أنّ الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يشرف على أسواق المدينة بعد توليه الخلافة، وأنّّه ولّى إحدى الصحابيات الشفاء بنت عبد الله العدوية على سوق المدينة، وكانت لها عنده منزلة كبيرة، حتى أنّه كان يقدّمها في الرأي، وتولّت السيدة سمراء بنت نهيك الأسديّة هذا المنصب أيضًا، وقد أدركت الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم وعمّرت طويلاً، وكانت تمرّ في الأسواق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتضرب الناس على ذلك بسوط معها، كذلك كان الخليفة علي -رضي الله عنه- يمرّ في الأسواق ينهي عن الغش في الكيل والميزان، ويوصي أصحاب السلع بأخذ الحق وإعطاء الحق(3).
علم الاحتساب
عرّف صاحب كشف الظنون علم الاحتساب بأنّه علم باحث عن الأمور الجارية بين أهل البلد من معاملاتهم اللاتي لا يتم التمدن بدونها من حيث إجرائها على قانون العدل بحيث يتم التراضي بين المتعاملين وعن سياسة العباد بنهي المنكر وأمر المعروف بحيث لا يؤدّي إلى مشاجرات وتفاخر بين العباد بحسب ما رآه الخليفة من الزجر والمنع ومباديه بعضها فهي وبعضها أمور استحسانيّة ناشئة من رأي الخليفة، والغرض منه تحصيل الملكة في تلك الأمور وفائدته إجراء أمور المدن في المجاري على الوجه الأتم، وهذا العلم من أدق العلوم ولا يدركه إلاّ من له فهم ثاقب وحدس صائب إذ الأشخاص والأزمان والأحوال ليست على وتيرة واحدة فلا بد لكل واحد من الأزمان والأحوال سياسة خاصّة وذلك من أصعب الأمور، فلذلك لا يليق بمنصب الاحتساب إلاّ من له قوّة قدسيّة مجرّدة عن الهوى كعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ولذلك كان علمًا في هذا الشأن كذا في موضوعات لطف الله، وعرفه المولى أبو الخير بالنظر في أمور أهل المدينة بإجراء ما رسم في الرئاسة وما تقرر في الشرع ليلاً ونهارًا سرًّا وجهارًا ثم قال: وعلم رئاسة السياسة المدنيّة مشتمل على بعض لوازم هذا المنصب ولم نر كتابًا صّنف فيه خاصّة، وذكر في الأحكام السلطانيّة ما يكفي، أقول فيه كتاب نصاب الاحتساب خاصّة ما ذكر فيه مؤلّفه أنّ الحسبة في الشريعة تتناول كل مشروع يفعل لله تعالى كالأذان والإقامة وأداء الشهادة مع كثرة تعدادها، ولذا قيل القضاء باب من أبواب الحسبة، وفي العرف مختص بأمور فذكرها إلى تمام خمسين(4).
مهمّة المحتسب
إذا كانت الحسبة وظيفة دينيّة من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا ينبغي أن يقصر أمرها ونهيها على حقوق الله، وما حدّه من حدود، بل يشملان في الحسبة حقوق البشر، والحقوق المشتركة بين الله وعباده.
وقد أجمل الدكتور القوصي مهام المحتسب في التالي: مراقبة التجار وأرباب الحرف، كإجبار الطبيب على دفع ديّة المريض الذي يموت بسبب سوء علاجه، ووضع الشروط على الحرف التي تتطلب النظافة، وتتصل بالطعام والشراب، كالعجّانين والسقائين والجزّارين والحلوانيين وغيرهم، ومراقبة الأسعار والموازين، ومنع التلاعب في الأسعار، أو الغش في الكيل والميزان، ومنع الاحتكار، ومراقبة أبنية السوق وطرقاته، وأن يجعل لكل صنعة سوقًا، وأن يجعل على أهل كل صنعة عريفًا من صالح أهلها، خبيرًا بصيرًا بغشوشهم وتدليسهم، ومراقبة الأخلاق العامّة، كمنع شرب الخمر، ومنع تعرّض الرجال للنساء في السوق، وعدم طرح الأقذار عل جوانب الطريق، وإرسال الماء من المزاريب إلى الطريق، ومراقبة العبادات إذ يأخذ المسلمين لصلاة الجمعة والجماعات والأعياد، ويمنعهم من الإفطار في رمضان، وعنايته بنظافة الجوامع، وإظهار هيبة الإسلام، كما يراقب المحتسب حسن معاملة العبيد والإماء والرفق بالحيوان، وعدم تسخيره فيما لا يطيق، ويرعى الأطفال اللقطاء، ويمنع معلمي الصبيان من ضرب صبيانهم ضربًا مبرّحًا، ويمنع الحمّالين وأهل السفن من زيادة التحميل خوفًا من غرق السفينة(5).
وكان المحتسب يأخذ على الأطباء، وأصحاب المهن الطبيّة عهد (أبقراط): ألاّ يعطوا أحدًا دواءً مضرًا، ولا يركّبوا له سمًّا، ولا يصفوا التمائم عند أحد من العامّة، ولا يذكروا للنساء الدواء الذي يسقط الأجّنة، ولا للرجال الدواء الذي يقطع النسل، وليغضّوا أبصارهم عن المحارم عند دخولهم على المرضى، ولا يفشوا الأسرار، ولا يهتكوا الأستار.
ويحيل على رئيس الأطباء من يريد مزاولة الطب من الكحّالين، والمجبّرين، والجرائحيّين وغيرهم للامتحان بل وإعطائهم إجازة العمل.
وذكر محمد ابن الأخوة، صاحب (معالم القربة في مسائل الحسبة) أنّّ المحتسب كان يمتحن الكحّالين بكتاب حنين بن إسحق (العشر مقالات في العين) قبل أن يأذن لهم بالتصدّي لمداواة أعين الناس؛ أما الجرائحيّون فيجب عليهم معرفة كتاب جالينوس في الجراحات والمراهم، وأن يعرفوا التشريح وأعضاء الإنسان.
يقول الفقيه ابن عبدون الأندلسي: يجب ألا يترك أحد يتسوّر في شيء لا يحسنه، لا سيما صناعة الطب الذي فيه إتلاف المهج(6).
وذكر القفطي، وابن أبي أصيبعة، أنّ الخلفاء كانوا يباشرون مهمّة المحتسب بأنفسهم في بعض الأحيان، ويقومون بتطهير هذه المهنة العلميّة من الجهلة والمتطفّّلين عليها، وتحدّثوا عن رواية امتحان المأمون لصيادلة بغداد، وعن امتحان المعتصم بالله العبّاسي للصيادلة في معسكره.
ورأى الماوردي في أحكامه، أنّّ من واجبات المحتسب مراقبة المتسوّلين، ومنع الأغنياء من طلب الصدقة، وتأديبهم إذا لم يمتنعوا، وإعلامهم بأنّها محرّمة على المستغني عنها، وإذا ما رأى السائل ذا جلد وقوّة على العمل زجره وأمره أن يحترف عملاً ما، فإذا أقام على التسول عزّره وأدّبه حتى يقلع عنه، وعليه منع التكسّب بالكهانة واللهو والتأديب على ذلك، وأخذ أهل الذمّة بما شرط عليهم، وعليه أن يمنع عنهم من يتعرّض لهم بأذى، ويؤدّب من خالف ذلك، ويمنع المحتسب كشف حرمات المنازل، والاستطالة عليها، حتى أنّ محتسب الكوفة لم يسمح للمؤذن بصعود المئذنة إلاّ إذا كان كفيفًا.
المحتسب يستنفر الناس للجهاد
ذكر كمال الدين بن أبي جرادة كيفيّة النفير بطرسوس، وكيف كان يجري أمره، قرأت بخط أبي عمرو القاضي في كتابه قال: "يركب المتولي لعمل الحسبة أي وقت وقع النفير من ليل أو نهار ورجالته بين يديه ينادون بأعلى أصواتهم أجمع صوتًا واحدًا يقولون النفير يا أصحاب الخيل والرجالة، النفير حملكم الله إلى باب الجهاد"، وإن أراد إلى باب قلميه أو إلى باب الصاف أو إلى أي باب اتفق وتغلق سائر أبواب المدينة وتحصل مفاتيحها عند صاحب الشرطة فلا تزال مغلقة حتى يعود السلطان من النفير ويستقر في داره، ثم تفتح الأبواب المغلقة كلّها، ويطوف المحتسب ورجالته الشوارع الجداد كلّها، فإن كان ذلك نهارًا إنضاف إلى رجالته عدد كثير من الصبيان وساعدوهم على النداء بالنفير وربما احتاجوا إلى حشد الناس لشدّة الأمر وصعوبة الحال فأمر أهل الأسواق بالنفير، وحضهم على المسير في أثر الأمير أين أخذ وكيف سار، ويكون مركز صاحب الشرطة إذا وقع النفير مع رجالته الموسومين به عند الباب الأوّل الذي يلي المدينة الذي يخرج منه الناس إلى النفير، وكذلك المحتسب إلاّ أنّ المحتسب يتردّد في الأسواق إذا طال أمر النفير وتأخّر خبره ويبعث على اللحوق بمن سار مع الأمير وبمن توجه إلى النفير، فلا يزال الأمر على هذا حتى يعود السلطان إلى دار الإمارة، ويخرج إلى النفير قوّاد الرجّالة معروفون متى عقد السلطان لقائد من الفرسان فبعثه للقاء من ورد من ذلك الوجه أضاف إليه قائدًا من قوّاد الرجّالة وأتبعه(7).
وظيفة المحتسب وظيفة القضاء
وعندما تولى منصب الاحتساب بمصر مصطفى كاشف كرد، طلب قوائم مشتروات التجّار، ونظر في مكايلهم فضاق خناق أكثر الناس من ذلك لكونهم لم يعتادوه من محتسب قبله، وكأنه وصله خبر ولاة الحسبة وأحكامهم في الدول المصرية، فإنّ وظيفة أمين الاحتساب وظيفة قضاء، وله التحكّم والعدالة والتكلّم على جميع الأشياء وكان لايتولاها إلاّ المتضلّع من جميع المعارف والعلوم والقوانين ونظام العدالة حتى على من يتصدّر لتقرير العلوم فيحضر مجلسه ويباحثه، فإن وجد فيه أهليّة للإلقاء أذن له بالتصدّر أو منعه حتى يستكمل، وكذلك الأطبّاء والجراحيّة حتى البياطريّة والبزدريّة ومعلمو الأطفال في المكاتب ومعلمو السباحة في الماء والنظر في وسق المراكب في الأسفار وأحمال الدواب في نقل الأشياء ومقادير روايا الماء مما يطول شرحه، وفي ذلك مؤلف للشيخ بن الرفعة وقد يسهل بعض ذلك مع العدالة وعدم الاحتكار وطمع المتولي وتطلّعه لما في أيدي الناس وأرزاقهم(8).
الشرطة
وظيفة هامّة في الدولة الإسلاميّة، ترتبط بالقضاة وتساعدهم في تنفيذ الأحكام الشرعيّة وإقامة الحدود، وكان يطلق على صاحب الشرطة: صاحب الليل، وصاحب المدينة، لأنّه يقوم بحفظ النظام، ويساعد الوالي على استتباب الأمن في المدينة، ويقبض على الجناة وأصحاب الفساد والشر لتقديمهم إلى القضاء، وكانت توكل إلى كبار القوّاد والموالي المخلصين لهم(9).
وسمي الشرط لأنّهم جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها الواحد شرطة و شرطي بسكون الراء فيهما وقال أبو عبيد سمّوا شرطًا لأنّهم أعدّوا من قولهم أشرط من إبله وغنمه أي أعد منها شيئا للبيع(10).
قال ابن خلدون في مقدمته: وكان أصل وضعها في الدولة العباسيّة لمن يقيم أحكام الجرائم في حال استبدادها أوّلاً ثم الحدود بعد استيفائها فإنّ التهم التي تعرض في الجرائم لا نظير للشرع إلاّ في استيفاء حدودها وللسياسة النظر في استيفاء موجباتها بإقرار يكرهه عليه الحاكم إذا احتفت به القرائن لما توجبه المصلحة العامّة في ذلك، فكان الذي يقوم بهذا الاستبداد وباستيفاء الحدود إذا تنزّه عنه القاضي يسمى صاحب الشرطة، وربّما جعلوا إليه النظر في الحدود والدماء بإطلاق، وأفردوها من نظر القاضي.
ونزّهوا هذه المرتبة وقلّدوها كبار القواد، وعظماء الخاصّة من مواليهم، ولم تكن عامّة التنفيذ في طبقات الناس إنّما حكمهم على الدهماء وأهل الريب، والضرب على أيدي الرعاع والفجرة، ثم عظمت نباهتها في دولة بني أميّة بالأندلس ونوعت إلى شرطة كبرى، وشرطة صغرى (11).
وجرت عادة العباسيين على اختيار صاحب الشرطة من علية القوم، ومن أهل العصبيّة والقوّة، وكانت مهمّة الشرطة الكبرى الضرب على أيدي الزعماء وعلى أيدي أقاربهم في الظلامات، والصغرى تحكم في الرعاع وعامّة الناس.
واجبات الشرطة
أجمل الأستاذ أنور الرفاعي، في كتابه القيّم (الإنسان العربي والحضارة) واجبات الشرطة بما يلي: حفظ النظام، وحفظ الأمن، مراقبة أماكن اللهو واللعب ومنع ما يقع فيها من مخالفات، وتنفيذ أوامر السلطان، وتنفيذ أوامر القضاة، وإدارة السجون(12).
كما أوكل إليها حراسة بيت المال، والنظر في الجرائم، ومراقبة الأماكن العامّة، ومساعدة عمال الخراج، ومراقبة أبواب المدن، والنظر في الحدود، وكان صاحب الشرطة ينوب عن الأمير إذا غاب، وعلى العموم فقد كان أصل وضعها لمن كان يقيم أحكام الجرائم في حالة استبرائها أوّلاً، ثم الحدود بعد استيفائها.
شروط صاحب الشرطة
ذكر ابن أبي الربيع صاحب كتاب (سلوك المالك في تدبير الممالك) ما ينبغي أن يكون عليه صاحب الشرطة من خصال فقال: أمّا صاحب الشرطة فينبغي أن يكون حليمًا مهيبًا، دائم الصمت، طويل الفكر، بعيد الغور.
وأضاف قائلاً: وأن يكون غليظًا على أهل الريب في تصاريف الحيل، شديد الفطنة؛ وأن يكون ظاهر النزاهة غير عجول، وأن يكون نظره شزرًا، قليل التبسّم، غير ملتفت إلى الشفاعات؛ وأن يأمر أصحابه بملازمة المحابس، وتفتيش الأطعمة وما يدخل السجون؛ ويجب عليه عمارة سور المدينة وأبوابها، ولمّ شعثها، ومعرفة من يدخلها.
العسس أو حرّاس الليل
نظام أمني في الدولة الإسلاميّة، مهمّته الطواف بالليل، لتتبع اللصوص، وطلب أهل الفساد.
وفي لسان العرب: عس يعس عسسًا، وعسا أي طاف بالليل ومنه حديث عمر رضي الله عنه أنّه كان يعسّ بالمدينة أي يطوف بالليل يحرس الناس ويكشف أهل الريبة والعسس اسم منه كالطلب وقد يكون جمعًا لعاسّ كحارس وحرس و العسّ نفض الليل عن أهل الريبة(13).
وأوّل من استن نظام العسس الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكان يعسّ بالمدينة يحرس الناس، وينفض الليل عن أهل الريبة ويكشفهم.
ويروي ابن سعيد المغربي أنّه كان للأندلس دروب تغلق ليلاً، وتحرس بواسطة رجال الشرطة المسمون (بالدرّابين) وأنّ كلّ واحد كان معه سلاح وكلب وسراج.
وأجاز فقهاء الأندلس في عهد المرابطين فرض ضريبة أطلق عليها (التعتيب) كان الغرض منها تأمين الأموال الكافية لترميم الحصون والقلاع والأسوار حول المدن الرئيسيّة، ومن حصيلتها كانت تقوم بالانفاق على أرزاق الجند والموظّفين، وإنشاء المشروعات العامّة، ونفقات الحملات العسكرية، وشراء الأسلحة والمعدّات الحربيّة، وترتيب العسس والدرّابين لحراسة الأسواق والطرقات والدروب وغير ذلك(14).
سبق في ميدان التنظيم المدني
حدث بمراكش أيام الموحدين سنة 571 هـ طاعون شديد، فكان الرجل لا يخرج من منزله حتى يكتب اسمه ونسبه وموضعه في بطاقة يضعها في جيبه، فإن مات حمل إلى أهله بالموضع المذكور في البطاقة.
وتستخدم الجيوش في زمن الحرب الآن بطاقة معدنيّة، يعلّقها الجنود في سلسلة معدنيّة خفيفة بصدورهم، مع إضافة الرقم العسكري، والزمرة الدموية، والدين، لتسهيل إسعاف الجرحى، وإجراء المراسم الدينية لمن يقتل منهم.
ويعلّق الأستاذ محمد المنوني في كتابه (حضارة الموحّدين) على هذه البطاقة فيقول: هذا النوع من (الكارني) الذي سبق الموحّدون إلى استعماله، كاف في الإعراب عن عظمته، ناطق بعبقرية الموحّدين في ميداني الابتكار والنظام (15).
المصدر: مجلة غرباء.
تابع القراءة

الإمام ابن قيم الجوزية

12:58 ص نشر في : التعليقات
نسب ابن القيم وشهرته:
هو محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حَرِيز، الزُّرَعِي الأصل، ثم الدمشقي، الحنبلي، المشهور بابن قَيِّم الجوزية، شمس الدين، أبو عبد الله.
أما شهرته -رحمه الله- بابن قَيِّم الجوزية: فقد أجمعت على هذه الشهرة كل المصادر التي ترجمته، وبها عُرِف بين أهل العلم قديمًا وحديثًا.
وأما عن سبب هذه الشهرة وأصلها: فلأن والده كان قَيِّما على المدرسة (الجوزية) التي كان ابن القَيِّم إمامها. ومع أن وظيفة القِوامة في (المدرسة الجوزية) لم تكن حكرًا على أبي بكر -والد ابن القَيِّم- وحده، بل لا بدّ أن يكون قد تولاها غيره -إما قبله أو بعده- إلا أن الواضح: أن والد ابن القَيِّم كان أشهر من تولى هذا المنصب، فصار هو المراد عندما يقال: (قيم الجوزية)، وغلبت -بالتالي- هذه الشهرة على ابنه، حتى صار لا يُعرف إلا بها، والمشهور الآن بين أهل العلم وطلابه، وأكثر الناس قولهم: (ابن القَيِّم) بحذف المضاف إليه اختصارًا وجعل (ال) عوضًا عنه، وهذا الاختصار لا مانع منه؛ فقد صار هو المقصود عند الإطلاق لشهرته، ومع ذلك ينبغي التنبه من التباسه بغيره والأصل ابن قيم الجوزية.
كنية ابن القيم ولقبه:
اتفق كل من ذكر كنيته من مترجميه على أنها (أبو عبد الله)، وذلك تكنية له باسم ولده عبد الله، وهو أصغر ولديه كما سيأتي في ترجمته، واتفقت مصادر ترجمته أيضًا على تلقيبه بـ (شمس الدين).
مولد ابن القيم:
اتفقت الكتب التي ترجمت لابن القَيِّم -رحمه الله- على أن مولده كان في سنة إحدى وتسعين وستمائة(691هـ)، وذكر الصَّفَدِي -من بينهم- يوم ولادته وشهرها، فقال: "مولده سابع صفر سنة إحدى وتسعين وستمائة". وتابعه على ذلك: السيوطي، ثم الداودي.
أما عن مكان ولادته فلم ينص أحد ممن ترجم له على ذلك، وقد تقدم أنه منسوب إلى (زرع) أولاً، ثم (دمشق) ثانيًا، فقال ابن ناصر الدين رحمه الله: "... الزرعي الأصل، ثم الدمشقي"، فهل يعني ذلك أنه ولد في (زرع)، ثم انتقل إلى دمشق؟ أم أن الانتقال حصل لأبيه أو أحد أجداده، وأن مولده كان في دمشق؟ كلا الأمرين محتمل، وعلى كلٍّ فإن الأمر في ذلك سهل؛ إذ إن مكان ولادته لا يخرج عن أحدهما.
أولادُ ابن القيم:
ولما كانت هذه الشجرة المباركة الطيبة، ثابتة الأصول ضاربة بجذورها الخيرة إلى أعماق بعيدة، فقد كانت دائمة الأُكُل، مستمرة العطاء، فقد رزق الله ابن القَيِّم رحمه الله أولادًا صالحين، عالمين عاملين، فكانوا خير خلف لخير سلف.
وممن وقفت على تراجمهم وبعض أخبارهم من هؤلاء الأبناء:
1- عبد الله، الفقيه الفاضل الْمُحَصِّل، جمال الدين، ابن الشيخ شمس الدين ابن قَيِّم الجوزية، مولده سنة (723) ، وهي سنة وفاة جده أبي بكر.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "الشيخ... الفاضل المحصل، جمال الدين عبدالله بن العلامة شمس الدين... كانت لديه علوم جيدة، وذهنه حاضر خارق، أفتى ودَرَّسَ وأعاد وناظر، وحج مرات عديدة، رحمه الله وَبَلَّ بالرحمة ثراه".
وقال ابن حجر: "... اشتغل على أبيه وغيره، وكان مفرط الذكاء، حفظ سورة الأعراف في يومين، ثم دَرَسَ (المحرر) في الفقه،و(المحرر) في الحديث... ومهر في العلم، وأفتى ودَرَّسَ، وحج مرارًا... قال ابن رجب: كان أعجوبة زمانه"، وقال ابن حجر أيضًا: "صلى بالقرآن سنة 731هـ"، فيكون رحمه الله قد حفظ القرآن وهو ابن تسع سنين.
وأما وظائفه العلمية التي شغلها: فإنه قد دَرَّسَ (بالصدرية) عقب وفاة أبيه، قال ابن كثير رحمه الله: "وفي يوم الاثنين ثاني عشر شهر شعبان -يعني من سنة 751هـ، بعد وفاة أبيه بشهر- ذكر الدرس بالصدرية شرف الدين عبد الله بن الشيخ الإمام العلامة شمس الدين ابن قَيِّم الجوزية عوضًا عن أبيه رحمه الله، فأفاد وأجاد، وسرد طرفًا صالحًا في فضل العلم وأهله".
كما أنه قد اشتغل بالخطابة؛ قال الحافظ ابن كثير: "وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول أقيمت جمعة جديدة بمحلة الشاغور بمسجد هناك يقال له: مسجد المزار، وخطب فيه جمال الدين عبد الله بن الشيخ شمس الدين ابن قَيِّم الجوزية...".
توفي رحمه الله شابًا، وذلك سنة (756هـ) وله من العمر ثلاث وثلاثون سنة. "وكانت جنازته حافلة" ودفن عند أبيه بالباب الصغير، فرحمه الله رحمة واسعة.
2- إبراهيم، العالم الفقيه، برهان الدين، أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن أبي بكر، ذكر ابن رافع أن مولده سنة (716هـ) ، ووافقه على ذلك: ابن حجر رحمه الله، وكذا قال الشيخ بكر أبو زيد، وذكر الحافظ الذهبي أن مولده سنة "بضعة عشرة وسبعمائة".
وأما الحافظ ابن كثير، فقد ذكر عمره حين وفاته، فقال: "بلغ من العمر ثمانيًا وأربعين سنة"، وإذا اعتبرنا ذلك بتاريخ وفاته -الذي اتفقوا على أنه كان سنة 767هـ- فيكون وقت ولادته هو سنة (719هـ)، وبه جزم صاحب (منادمة الأطلال)، ولعله استظهره من كلام ابن كثير رحمه الله، وهذا يعارض ما تقدم من أنه ولد سنة (716هـ)، ولعل الحافظ ابن كثير يكون أعرف به من غيره؛ إذ كان على صلة به ومعرفة، والله أعلم.
قال الذهبي رحمه الله: "قرأ الفقه والنحو على أبيه، وسمع وقرأ وتَنَبَّه وسَمَّعَه أبوه من الحجَّار"، وقال الحافظ ابن كثير: "كان بارعًا فاضلاً في النحو والفقه وفنون أخر على طريقة والده، رحمهما الله تعالى، وكان مدرسًا بالصدرية، والتدمرية، وله تصدير بالجامع، وخطابة بجامع ابن صلحان"، وقال ابن رافع: "طلب الحديث وقتًا، وتَفَقَّه، واشتغل بالعربية، وشرح ألفية ابن مالك"، وقال ابن قاضي شهبة: "وكان له أجوبة مسكتة".
وبعد عمر حافل بالجد والعطاء، وحياة علمية مزدهرة مشرقة، توفي هذا الإمام البارع، ابن الإمام العلامة، وذلك في يوم الجمعة مستهل صفر من سنة (767هـ)، "وحضر جنازته القضاة والأعيان، وخلق من التجار والعامة، وكانت جنازته حافلة".
وقد كان - مع هذا العلم والفضل - ذا مال ونعمة، فقد "ترك مالاً جزيلاً يقارب المائة ألف درهم"3. فرحمه الله رحمة واسعة.
أخلاق ابن القيم وصفاته الشخصية:
إن أول ما يلمسه المرء ويحسه -وبخاصة إذا كان ممن عَرَفَ ابن القَيِّم، وعاش مع تراثه الممتع النافع- أنه أمام عالم عامل، وداعية مخلص صادق، ومربٍ فاضل، أفنى عمره في محاربة كل شر ورذيلة، والدعوة إلى التخلق بكل خير وفضيلة، فلم يكن ابن القَيِّم -رحمه الله- ممن يتكسبون بدعوتهم، أو يطلبون بها عرضًا زائلاً -كما كان حال البعض في عصره- وإنما كان صاحب رسالة سامية، عاش حياته مبلغًا لها ومنافحًا عنها.
فلا عجب إذن أن يكون على درجة عالية من الأخلاق الفاضلة، والخلال الحميدة، بشهادة كل من عايشه وسعد بصحبته، فقد كان (الغالب عليه الخير والأخلاق الصالحة) كما وصفه بذلك تلميذه ابن كثير رحمه الله، كما لا يفوتنا التنبيه على أن هذه الأسرة الطيبة التي نشأ ابن القَيِّم بين أحضانها، وما لقيه منها من رعاية وحسن توجيه -وخاصة والده الذين قدمنا طرفًا من سيرته العطرة- كان لها أكبر الأثر في تحلي ابن القَيِّم رحمه الله بجميل العادات، ومحاسن الأخلاق، كما سبق التنبيه على ذلك.
ويمكن لنا أن نسجل بعض هذه الصفات التي كان متخلقًا بها،وذلك من خلال شهادة تلاميذه، وأصحابه ومن عرفوه، وكذا من خلال ما يظهر من مطالعة سيرته ومؤلفاته، فلعل ذلك يكون باعثًا على التحلي بمثل أخلاق هذا الإمام الفاضل؛ فمن هذه الصفات:
1- حسن العشرة، وكثرة التودد إلى الناس والتَّحَبُّب إليهم، لاسيما أهل الفضل والصلاح منهم، فكان الحافظ ابن كثير -مثلاً- من (أحب الناس إليه) كما حكى هو كذلك.
2- كَفُّ الأذى عن الخلق، فكان رحمه الله "لا يحسد أحدًا، ولا يؤذيه، ولا يستعيبه، ولا يحقد على أحد"، كما قال ذلك أصحب الناس له ابن كثير رحمه الله.
هكذا كان ابن القَيِّم متحببًا إلى الناس متجملاً معهم، كَافًّا أذاه عنهم؛ لأنه رحمه الله كان يعلم أن حسن الخلق هو: "طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى»، فإنه قد نقل ذلك عن عبد الله بن المبارك رحمه الله، شارحًا به حسن الخلق وموضحًا معناه، فرحم الله ابن القَيِّم: الذي عَلِمَ، فتخلق بهذا العلم وعمل به، ثم دعا إليه ونشره بين الناس.
3- شِدَّةُ محبته للعلم، وكتابته، ومطالعته، كما وصفه بذلك تلميذه ابن رجب رحمه الله، وكيف لا يكون شديد الحب للعلم، شديد التعلق به، وهو القائل: "النَّهْمَةُ في العلم، وعدم الشبع منه من لوازم الإيمان، وأوصاف المؤمنين".
4- جِدُّهُ واجتهاده رحمه الله في تحصيل ما نذر نفسه لتحصيله من هذا العلم الشريف، وإنفاق أيام العمر وسِنِيِّه في ذلك، بحيث وصف بـ "كثرة الطلب ليلاً ونهارًا".
5- جرأته رحمه الله وصلابته في دين الله، وصدعه بالحق؛ فلم يكن يحابي أحدًا فيما يعتقد أنه الحق، ولا يخشى في الله لومة لائم، مع ما سببه ذلك له من محن وإيذاء كما سيأتي. قال الإمام الشوكاني في وصفه إياه: "... صادعًا بالحق لا يحابي فيه أحدًا".
6- تجرده رحمه الله في أبحاثه العلمية من كل هوًى نفسي، أو غرض ذاتي شخصي، وإنما كان يبتغي الوصول إلى الحق والصواب، ولو ظهر هذا الحق على لسان غيره.
فمن ذلك: أنه صوّب إثبات (الواو) في قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سلَّم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم" ثم قال: "فهذا ما ظهر لي في هذه اللفظة، فمن وجد شيئًا فليلحقه بالهامش، فيشكر الله له، وعباده سعيه، فإن المقصود: الوصول إلى الصواب، فإذا ظهر وضع ما عداه تحت الأرجل".
7- تَوَاضُعُه وإنكاره لِذاتِهِ، واستصغاره لنفسه وعلمه، من ذلك: ما نجده في أكثر كتبه من تصريحه بقلة بضاعته في هذا الشأن، مع إسناده الصواب في ذلك إلى الله، وأن ذلك من فضله وتوفيقه، وإسناده الخطأ والنقص إلى نفسه، هذا ما يقوله، مع ما عرف عنه من جودة تصانيفه، وكثرة إفاداته، وغزارة علمه رحمه الله.
8- صَبْرُهُ رحمه الله على الأذى والْمِحَن والابتلاء في ذات الله سبحانه، دون جزع أو ضَجَر، فكم عانى من ألم السجن ومرارة الحبس، فكان يقابل كل ذلك صابرًا محتسبًا، بل "كان في مدة حبسه مشتغلاً بتلاوة القرآن بالتَّدَبُّرِ والتَّفَكُّرِ، فَفُتِح عليه من ذلك خير كثير..." كما يقول ابن رجب رحمه الله، فانقلبت بذلك محنته إلى منحة، وسجنه إلى خلوة للتعبد والمناجاة. وهذا لا شك دال على شجاعته رحمه الله، تلك الخصلة التي وصفها مرة بقوله: "الشجاعة: ثبات القلب عند النوازل"، ولما كانت الشجاعة -بهذا المعنى- "خلقًا كريمًا من أخلاق النفس"، فقد كان رحمه الله متخلقًا بها متحليًا بفضائلها.
زهد ابن القيم وعبادته:
إنَّ في حياة العلامة ابن القَيِّم وسلوكه جانبًا آخر-غير ما سبق- وهو جانب: اجتهاده مع مولاه، وخوفه منه ورجائه إياه، وسعيه في تحصيل رضاه، واستعداده ليوم لقاه.
فإن "من يقرأ مؤلفات ابن القَيِّم - رحمه الله تعالى -وبخاصة كتابه (مدارج السالكين)- يخرج بدلالة واضحة: على أن ابن القَيِّم رحمه الله كان لديه من عمارة قلبه باليقين بالله والافتقار والعبودية، والاضطرار، والإنابة إلى الله، الثروة الطائلة، والقدح الْمُعَلَّى في جَوِّ العلماء العاملين، الذين هم أهل الله وخاصته، وأن لديه من الأشواق والمحبة التي أخذت بمجامع قلبه -لا على منهج المتصوفة الغلاة، بل على طريق السلف الصالح- ما عمر قلبه بالتعلق بالله في السِّر والعلن، ودوام ذِكْرِهِ، وأن العبادة حَلَّت منه محل الدواء والمعالجة، وترويض النفس".
فلقد عَمَرَ ابن القَيِّم رحمه الله ما بينه وبين الله سبحانه، بالاجتهاد في العبادات والطاعات، كما عَمَر ما بينه وبين الناس بحسن الخلق، والاتصاف بجميل العادات، فكان بذلك خير مثال للعلماء الصادقين، الذين جمعوا بين العلم والعمل، وفيما يلي طرفٌ مما حكاه بعض من شاهد أحواله في ذلك:
1- طول صلاته وقيامه بين يدي الله سبحانه: وطول ركوعه وسجوده: فقد وُصِفَ رحمه الله بطول الصلاة "إلى الغاية القصوى"، وكانت طريقته رحمه الله في الصلاة: أنه "يطيلها جدًا، ويمد ركوعها وسجودها، ويلومه كثير من أصحابه في بعض الأحيان، فلا يرجع ولا يَنْزِع عن ذلك رحمه الله"، وكيف يَنْزِع عن ذلك، أو يُقْلِع عنه، وقد وجد راحة نفسه، وطمأنينة قلبه، والأنس بمحبوبه في طول الوقوف بين يديه سبحانه، وكثرة المناجاة له؟ وكيف يُقْلِع عن ذلك وهو يرى أن "من لم تكن قرة عينه في الصلاة، ونعيمه وسروره ولذته فيها، وحياة قلبه وانشراح صدره"، فأولى به أن يكون من السُّرَّاق في صلاتهم، الذين ينقرونها نقرًا.
2- تهجده وقيامه الليل: فقد قال عنه ابن رجب رحمه الله: "كان ذا عبادة وتهجد"، وكيف بهذا العالم الرباني يغفل عن قيام الليل، أو يتوانى في ذلك، وقد علم أنه (وَقْتُ قَسْمِ الغَنَائم)، فأسهر ليله، ووقف بين يدي مولاه والناس نيام حتى يكون يوم القيامة من الآمنين، وفي الموقف من المطمئنين؛ فإن من "سَبَّح الله ليلاً طويلاً،لم يكن ذلك اليوم ثقيلاً عليه، بل كان أخفَّ شيء عليه"، كما يقول هو رحمه الله.
3- كثرة ابتهاله وتضرعه ودعائه: فقد وصفه ابن كثير رحمه الله بـ (كثير الابتهال)، وقد وُصِفَ أيضًا بـ "الافتقار إلى الله، والانكسار له، والاطِّراح بين يديه على عتبة عبوديته" بحيث لم يشاهد مثله في ذلك.
4- ملازمته رحمه الله لذكر الله واستغفاره: بحيث كان ذا (لَهَجٍ بالذكر... والإنابة والاستغفار"، ومما يذكر عنه في ذلك أيضًا: أنه كان إذا صلى الفجر يجلس مكانه يذكر الله تعالى حتى يتعالى النهار جدًا، وكان إذا سُئِل عن ذلك يقول: هذه غَدْوَتِي، ولو لم أَتَغَدّ هذه الغدوة سقطت قواي. وقد ذكر هو رحمه الله عن شيخه ابن تَيْمِيَّة مثل ذلك فلا مانع أن يكون هذا الفعل ثابتًا عنهما رحمهما الله، وحريّ بمثل ابن القَيِّم أن يحرص على الذكر، ويكثر منه ولا يفارقه، ويجد فيه راحة قلبه؛ وذلك أنه عرف منزلة ذكر الله وفوائده الجمة، حتى أخبر رحمه الله أن "في الذكر أكثر من مائة فائدة"، ثم ساق من هذه الفوائد نيفًا وتسعين فائدة.
5- قراءة القرآن بالتدبر والتفكر: فقد كان رحمه الله لا يفتر عن ذلك حتى في أوقاته الحرجة، ويصف تلميذه ابن رجب رحمه الله حاله في السجن، فيقول: "وكان في مدة حبسه مشتغلاً بتلاوة القرآن بالتدبر والتفكر"، ولأجل ما كان عليه في ذلك من التدبر والتفكر في كتاب الله، فإن تلميذه ابن رجب لم ير "أعرف بمعاني القرآن... منه".
نُبْل أهداف ابن القيم ونقاء آرائه:
تَقَدَّمَ أن ابن القَيِّم رحمه الله كان قد عاش في بيئة يسودها كثير من الفساد الديني والأخلاقي، وتنتشر فيها عادات اجتماعية متردية، وتروجُ فيها أفكارٌ ونِحَلٌ منحرفةٌ مع انتسابها زُورًا للإسلام، وشاء الله سبحانه وتعالى وله الحمد أن يشرح صدر ابن القَيِّم للمنهج الحق، وأن يريه الطريق المستقيم، وأن يُحَبِّبَ إلى قلبه التمسك بالكتاب والسنة دون سواهما، وكان من توفيق الله عز وجل أن هيَّأ له أستاذًا فاضلاً، وعلمًا شامخًا، وعالمًا نِحْرِيرًا مجاهدًا، وهو: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، الذي كان سبقه إلى سلوك هذا السبيل، فكان له - بعد توفيق الله - خير القدوة، ونعم المرشد؛ فقد لازمه ابن القَيِّم  رحمه الله منذ عودته من الديار المصرية إلى دمشق سنة (712هـ)، إلى أن توفي الشيخ رحمه الله في سنة (728هـ)1، حتى صار من أصحب الناس له، وألصقهم به ومن أخصِّ تلاميذه والْمُقَرِّبِين إليه، ولقد تَمَكَّنَت محبةُ الشيخ من قلب تلميذه ابن القَيِّم رحمه الله، فكان لا يفارقه أبدًا، حتى إنه كان محبوسًا معه في القلعة إلى أن مات الشيخ رحمه الله.
وهكذا كان لابن تَيْمِيَّة رحمه الله أثرٌ كبيرٌ؛ بل أكبر الأثر في حياة ابن القَيِّم رحمه الله: توجيهًا وتعليمًا، وتربيةً وإرشادًا؛ فقد أخذ عنه عِلمًا غزيرًا، واستفاد منه منهجًا قويمًا في حياته ودعوته (مع ما سلف له من الاشتغال والتحصيل) حتى حَمَل الراية من بعده، وسار على الدَّرْبِ نفسه، داعيًا للرجوع إلى الكتاب والسنة، والتمسك بهديهما، وفتح الله عليه في ذلك الفتح المبين، فكان ولا يزال مِشْعَلَ خير ونور، هدى الله به الكثيرين إلى صراطه المستقيم.
فلعلها "سرت إليه بركة ملازمته لشيخه ابن تَيْمِيَّة في السراء والضراء، والقيام معه في محنه، ومواساته بنفسه، وطول تردده إليه" كما يقول الإمام الشوكاني رحمه الله.
كانت تلك إلماحة سريعة إلى أبرز العوامل التي هيأها الله سبحانه لابن القَيِّم في هذه البيئة المظلمة، فكانت أكبر عون له على الصمود في وجه تلك التحديات.
ولا بد لنا -بعد ذلك- أن نبرز الأهداف التي تَبَنَّاها ابن القَيِّم رحمه الله، وكان يسعى لتحقيقها، تلك الأهداف التي كانت محور دعوته، ولبَّ رسالته، التي عاش مجاهدًا من أجل تحقيقها، حتى لقي الله - عزوجل- على ذلك، وهذه الأهداف وإن تنوعت وتعددت، فإنها تدور في مجملها حول محور واحد وغاية عظمى، ألا وهي: الدعوة إلى التمسك بالكتاب والسنة ومحاربة البدعة.
أهداف ابن القيم النبيلة وآراءه السديدة:
أولاً: الدعوة إلى التمسك بالكتاب والسنة، والعمل بهما، والتحاكم إليهما عند التنازع، ونبذ ما يخالف ذلك من الآراء والأقوال، فتجعل نصوص الوحي المنزل حكمًا على ما سواها من آراء الرجال وأقوالهم، وقد أولى رحمه الله هذا الجانب عناية خاصة، واجتهد في تقريره والدعوة إليه، وسخَّر جهده ووقته وقلمه في سبيل الله تحقيقه، بل أفرد لذلك المصنفات التي يردُّ فيها على الفلاسفة وأهل الكلام، وأتباعهم من المنتسبين إلى الإسلام.
ثانيًا: الدعوة إلى اتِّباع السنة النبوية الصحيحة النقية، كما جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم والتحذير مما خالط ذلك من البدع الْمُحْدَثَات، التي تَدَيَّنَ بها كثير من الناس، معرضين -في الوقت نفسه- عن الثابت الصحيح من سنته صلى الله عليه وسلم.
وقد كان رحمه الله دائم التنبيه على البدع، وبيان الصحيح من سنته صلى الله عليه وسلم من الدخيل الْمُحْدَثِ، كلما وجد مناسبة لذلك.
ثالثًا: ذمُّ التقليد الأعمى، الذي يحمل المقلد على ترك ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لقول مُقَلَّدِهِ، فلا يرى الحق إلا مع إمامه، ولا يقبل من الدين إلا ما جاء من طريقه، ويصف ابن القَيِّم رحمه الله هذا النوع من التقليد المذموم بأنه: "الإعراضُ عن القرآنِ والسننِ وآثارِ الصحابةِ، واتخاذُ رَجلٍ بعينه مِعْيَارًا على ذلك، وتركُ النصوص لقوله، وعرضها عليه، وقبول كل ما أفتى به، ورد كل ما خالفه".
رابعًا: ذمُّ التعصب المذهبي ومحاربته، وكشف عواره، والتحذير منه.
فالتعصب المذهبي خطره عظيم، وشره جسيم، وإنما هو ناشئٌ عن التقليد ولا يقل في خطورته عنه، بل إنه أشد ضررًا من التقليد؛ فإن المقلد قد يكون قانعًا بمجرد التقليد، لكن المتعصبين زادوا على ذلك: أنهم - مع تقليدهم - "قد جعلوا التعصب للمذهب ديانتهم التي بها يدينون، ورؤوس أموالهم التي بها يتجرون"، وفي سبيلها يوالون ويعادون ويصلون ويقطعون، ويحبون ويبغضون، فقد "أشقاهم التعصب وأصَمَّهم وأعمى أبصارهم عن نور الوحيين: الكتاب والسنة، حتى بلغ بهم الهوس إلى المهاترات، ورد المذهب بمذهب آخر".
خامسًا: محاربة الانحراف في العقيدة، والدعوة للرجوع إلى ما كان عليه سلف هذه الأمة في باب العقيدة: فَهْمًا وسلوكًا، ولقد كان هذا هو هدف ابن القَيِّم الأهم، الذي أنفق في سبيله الكثير من جهده، وسطَّر من أجله العديد من مؤلفاته، وذلك أنه قد انتشرت في عصره الأفكار الفلسفية، والمناهج الكلامية، وأدى ذلك إلى ظهور بدع التأويل لنصوص الصفات تأويلاً يُفْضي إلى تحريفها عن معناها، أو تعطيلها عن مضمونها ونفيها، ولاشكَّ أن ذلك مخالف لما عليه سلف هذه الأمة من: إثبات ما وصف الله - سبحانه - به نفسه، وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، إثباتًا بلا تشبيه، وتنْزيهه عمَّا نزه عنه نفسه، ونَزَّهه عنه رسوله، تنْزيهًا بلا تعطيل.
سادسًا: تقرير أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة لا يضربُ بعضُهَا بعضًا، وأنها تتفق ولا تفترق، وأنها كلٌّ لا يتجزأ، ولذا فإنه لا ينبغي أخذ بعضها وترك بعضها الآخر، فيأخذ أحدهم ما يناسبه، ويَطِّرِح ما يخالف هواه، بل لابد من تنْزيل كل نص من نصوصها منْزله، وحمله على ما وُضِعَ له.
سابعًا: الحرص على توجيه العلماء والمفتين والمبلغين عن رب العالمين، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم إلى أن يكونوا صادقين مخلصين، عالمين عاملين، صادعين بالحق لا يخافون، وما ذلك إلا لعظمِ مكانةِ العلماء وخطورة شأنهم؛ فإنه لَمَّا كان قيام الإسلام إنما هو بطائفتي: العلماء والأمراء، كان صلاح الدنيا كلها بصلاحهما، وفسادها بفسادهما، كما قال عبد الله بن المبارك رحمه الله:
وهَلْ أَفْسَدَ الدِّينَ إلا الْمُلُوُكُ  ***  وأحـبارُ سُوءٍ وَرَهْـبَانُهَا
مِحَنُ ابن القيم:
لقد عشنا مع ابن القَيِّم رحمه الله في بيئته التي نشأ وترعرع فيها، وعرفنا أحوال عصره ومجتمعه وما كان يسوده من سلبيات ومفاسد دينية أخلاقية، ورأينا كيف كان ابن القَيِّم- في ظل هذه الأوضاع السيئة- صاحب رسالة سامية، وأهداف نبيلة، ومبادئ إصلاحية يهدف من ورائها: إلى الرجوع بالناس إلى ما كان عليه سلف هذه الأمة من التمسك بالكتاب والسنة ونبذ البدع والخرافات والتقليد والتعصب.
لكن طريقه هذا الذي سار فيه لم يكن سهلاً ميسورًا، بل كان محفوفًا بالمشاقِّ، فنزلت به بسبب ذلك محن عديدة، وتعرَّض لإيذاء واضطهاد وفتن أثناء جهاده لنشر دعوته، وسعيه لإصلاح حال مجتمعه.
فلم يكن من السهل على هذا المجتمع الذي سيطرت عليه الأفكار الدخيلة، وسادته البدع المتوارثة، أن يستجيب لهذا المصلح المجاهد الذي بزغ نوره في هذا الظلام الحالك، وكيف يتم له ذلك ولهذه البدع حُرَّاسٌ وحماةٌ من أمراء البلاد وحُكَّامها، بل ومن بعض الْمُنْتَسِبين إلى العلم أنفسهم؟!
- إنكاره شَدُّ الرَّحْلِ إلى قبر الخليل، ومحنته بسبب ذلك:
من البدع التي سادت المجتمع وقتئذ، وتقرب الناس بها إلى الله: بدعة شَدِّ الرَّحْلِ إلى قبر الخليل إبراهيم عليه السلام، فقام ابن القَيِّم - رحمه الله - في وجه هذه البدعة منكرًا لها، ومبينًا مخالفتها لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهَدْيِه، فما كان من أعدائِه وشانئيه إلا أن قاموا ضِدَّه، وآذوه، ثم حُبِس بسبب ذلك، قال الحافظ الذهبي: "وقد حبس مدة وأوذي لإنكاره شدَّ الرحل إلى قبر الخليل".
والظاهر أن هذه هي المرة التي حبس فيها مع شيخه ابن تَيْمِيَّة رحمه الله؛ ذلك أنه في السادس عشر من شعبان سنة 726هـ اعْتُقِل الشيخ ابن تَيْمِيَّة في قلعة دمشق، وذلك بسبب ما أفتى به من المنع من شد الرحل إلى قبور الأنبياء، وبعد ذلك بأيام "أمر قاضي القضاة الشافعي في حبس جماعة من أصحاب الشيخ تقي الدين في سجن الحكم... وعزَّرَ جماعة منهم على دواب ونودي عليهم، ثمَّ أطلقوا، سوى شمس الدين محمد بن قيم الجوزية؛ فإنه حُبِس بالقلعة، وسكتت القضية".
ولعل في إطلاقهم كل رفاقه وإبقائه وحده في الحبس، ما يُبَيِّنُ لنا مدى الحِنْق الذي كان في نفوس أعدائه - من أهل البدع - ضده، ويبين لنا في الوقت نفسه، ما كان لابن القَيِّم من دور بارز، وتأثير بالغ في الناس آنذاك، مما جعل هؤلاء يخشونه على بدعهم، فرأوا أن يحجبوه في السجن، ولكن شاء الله سبحانه أن يشاطر ابن القَيِّم شيخه محنته هذه، فَسُجن معه في القلعة، ولأجل التهمة نفسها، ولكنه كان (منفردًا عنه).
ولقد كان للحاقدين على شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَّة وتلميذه ابن القَيِّم دورٌ قبيح في حبسهما، وتدبير الشر ضدهما، ذلك أنهم حرَّفوا فتوى ابن تَيْمِيَّة: بأنه يُحَرِّمُ زيارة قبور الأنبياء مطلقًا، ويعتبر ذلك معصية، مع أن الشيخ - وكذا تلميذه - "لم يمنع الزيارة الخالية عن شد الرحل، بل يستحبها ويندب إليها، وكتبه ومناسكه تشهد بذلك... ولا قال إنها معصية... ولا هو جاهل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة ". والله سبحانه لا يخفى عليه شيء ولا تخفى عليه خافية"2.
ويَحكي المقريزي  هذه الواقعة -مبينًا ملابساتها وظروفها- بأوسع من هذا، وأن ابن القَيِّم رحمه الله قد ضُرب في هذه المرة قبل أن يُحبس، فيقول: "وفي يوم الاثنين سادس شعبان - يعني سنة 726هـ- حُبِس تقي الدين أحمد بن تيمية، ومعه أخوه زين الدين عبد الرحمن بقلعة دمشق، وضُرِب شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قَيِّم الجوزية، وشُهِّرَ به على حمار بدمشق، وسبب ذلك: أن ابن قَيِّم الجوزية تكلم بالقدس في مسألة الشفاعة والتوسل بالأنبياء، وأنكر مجرد القصد للقبر الشريف دون قصد المسجد النبوي، فأنكر المقادسة عليه مسألة الزيارة، وكتبوا فيه إلى قاضي القضاة جلال الدين القزويني وغيره من قضاة دمشق.
وكان قد وقع من ابن تَيْمِيَّة كلام في مسألة الطلاق بالثلاث: (أنه لا يقع بلفظ واحد، فقام عليه فقهاء دمشق، فلما وصلت كتب الْمَقَادِسَة في ابن القَيِّم، كتبوا في ابن تَيْمِيَّة وصاحبه ابن القَيِّم إلى السلطان، فعرف شمس الدين الحريري - قاضي القضاة الحنفية بديار مصر- بذلك، فشَنَّع على ابن تَيْمِيَّة تشنيعًا فاحشًا، حتى كتب بحبسه، وضُرِبَ ابن القَيِّم).
وقد ظل ابن القَيِّم محبوسًا مدة، ولم يُفْرَج عنه إلا بعد وفاة شيخه بشهر؛ ذلك أن ابن تَيْمِيَّة قد توفي في محبسه بالقلعة في العشرين من ذي القعدة سنة (728هـ)، (وفي يوم الثلاثاء عشرين ذي الحجة أُفرج عن الشيخ الإمام العالم العلامة أبي عبدالله شمس الدين بن قَيِّم الجوزية).
- فتواه بجواز السباق بغير مُحَلِّل ومحنته بسبب ذلك:
كان ابن القَيِّم رحمه الله يُفتي بجواز إجراء السباق بين الخيل بغير مُحَلِّل، وَصَّنف في ذلك كتابه: (بيان الاستدلال على بطلان اشتراط محلل السباق والنضال) أو: (بيان الدليل على استغناء المسابقة عن التحليل). كما أنه تناول هذا الموضوع في بحث طويل مفيد ضمن كتابه (الفروسية)4.
وقد أشار ابن حجر إلى محنته هذه، فقال: "وجرت له محن مع القضاة، منها: في ربيع الأول - يعني سنة 746هـ - طلبه السبكي بسبب فتواه بجواز المسابقة بغير مُحَلِّل، فأنكر عليه وآل الأمر إلى أنه رجع عما كان يُفتي به من ذلك".
وحكى ابن كثير هذه الحادثة، ولكنه ذكر ما يفيد أن ابن القَيِّم كان يفتي في ذلك برأي شيخه، وصَنَّف هذا المصنف لنصرة رأي الشيخ، ثم صار يفتي به دون نسبته إلى شيخه، فظنوه قوله، فحصل له ما حصل، ثم (انفصل الحالُ على أن أظهر الشيخ شمس الدين... الموافقة للجمهور).
قال الشيخ بكر أبو زيد: "وقضية الرجوع محل نظر، فلابد من تثبيت ذلك، وأرجو من الله تعالى أن يمنَّ عليَّ بما يدل على ذلك، نفيًا أو إثباتًا".
قلت: أما كتبه التي بين أيدينا، فليس فيها ما يدل على رجوعه، وبخاصة كتاب (الفروسية)، ولكن ابن كثير يحكي ما شاهده بنفسه من إظهاره الموافقة للجمهور، فهل أظهر ابن القَيِّم ذلك دفعًا للشر عن نفسه دون أن يرجع حقيقة عن رأيه؟ الله أعلم.
والذي يهمنا في هذه القضية: أن ابن القَيِّم - رحمه الله - قد امتحن من القضاة بسببها، وأوذي في سبيل ذلك.
- فتواه في مسألة الطلاق الثلاث ومحنته بسبب ذلك:
وقد امتحن ابن القَيِّم مرة أخرى بسبب فتواه بأن الطلاق الثلاث بكلمة واحدة يقع طلقة واحدة، وهو اختيار شيخه ابن تَيْمِيَّة أيضًا.
ويشير ابن كثير إلى ما وقع له بسبب ذلك، فيقول: "وقد كان متصديًا للإفتاء بمسألة الطلاق التي اختارها الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وجرت بسببها فُصُولٌ يطول بسطها مع قاضي القضاة تقي الدين السبكي وغيره"1.
ولم يبين لنا ابن كثير ما وقع له بسب ذلك، لكن الظاهر أنه لم يُحْبَس إلا في المرة التي كان فيها مع شيخه ابن تَيْمِيَّة، وذلك بسبب فتوى شد الرحل، وأما مسألة الطلاق، وكذا مسألة المحلل في السباق، فيظهر أنه جرت له بسببهما فتن ومحن مع القضاة فحسب، وأنه لم يُسجن بسبب ذلك، وقد ذكر الشيخ بكر أبو زيد أنه سُجن بسبب هذه الفتاوى كلها.
ولم أر ما يدل على ذلك، ولعل كلام ابن رجب صريح في أنه لم يُحبس إلا في تلك المرة مع الشيخ، فقد قال: "وقد امتُحن وأُوذي مرات، وحُبس مع الشيخ تقي الدين في المرة الأخيرة في القلعة...".
ومما يؤكد أيضًا  أن فتواه في مسألة الطلاق قد سببت له مشكلات مع القضاة، ما حكاه الحافظ ابن كثير من الصلح الذي تم بين السبكي وابن القَيِّم، فقد ذكر في أحداث سنة 750هـ - قبل موت ابن القَيِّم بعام واحد في السادس عشر من شهر جمادى الآخرة منها، أنه "حصل الصلح بين قاضي القضاة تقي الدين السبكي، وبين الشيخ شمس الدين بن قَيِّم الجوزية، على يدي الأمير سيف الدين بن فضل ملك العرب، في بستان قاضي القضاة، وكان قد نقم عليه إكثاره من الفتيا بمسألة الطلاق".
فالمقصود أنه رحمه الله ابتلي وأوذي وامتحن بسبب صدعه بالحق، وإعلانه رأيه وما يعتقده دون مجاملة أو خوف من أحد، فرحم الله ابن القَيِّم رحمة واسعة، وجزاه عما قَدَّم خير الجزاء.
وفاة ابن القيم:
وبعد هذه الحياة الحافلة بالجهاد المتصل لنشر منهج السلف، ومحاربة كثير من الانحرافات التي ابتدعها الخلف، وما لقيه من محن في سبيل ذلك، وبعد أن كَمُلَ له من العمر ستون سنة، توفي هذا الإمام العالم العلامة، وذلك في ليلة الخميس، ثالث عشر من شهر رجب، من سنة إحدى وخمسين وسبعمائة (751هـ) وقت أذان العشاء.
وقد صُلِّيَ عليه رحمه الله من الغد عقب صلاة الظهر بالجامع الأموي، ثم بجامع جَرَّاح، ولأن ابن القَيِّم رحمه الله كان قائمًا لله بالحق، صادقًا في النصح للخلق فقد "كانت جنازته حافلة رحمه الله، شهدها القضاة والأعيان والصالحون، من الخاصة والعامة، وتزاحم الناس على حمل نعشه".
نعم لقد كانت جنازته حافلة عامرة، شهدها كثير من الخلق، كما كانت جنازة شيخه رحمه الله، التي لم يتخلف عنها من أهل دمشق سوى ثلاثة نفر، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: "قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم الجنائز"، كانت هذه جنازته رحمه الله مع ما كان له في قلوب الكثيرين من العداوات، ومع ما حِيَكَ ضده من المؤامرات، وَدُفِنَ رحمه الله عند والدته بمقابر الباب الصغير.
فَرَحِم الله ابن القَيِّم رحمة واسعة، وجزاه عن الإسلام وأهله خيرًا، وأسكنه فسيح جناته، آمين.
تابع القراءة

كيف غير المخترعون المسلمون وجه العالم ؟

12:53 ص نشر في : التعليقات
من القهوة مرورًا بنظام الثلاث وجبات اليومي وحتى الشيكات، أعطانا العالم الإسلامي العديد من الابتكارات التي لا غنى عن استعمالها في حياتنا اليومية الآن، يذكر كاتب الموضوع باول فاليللي أكثر 20 ابتكارا تأثيرًا على العالم ويعرفنا بالعباقرة الذين كانوا وراء هذه الابتكارات.
1- تقول القصة إن هناك عربيًّا يدعى خالد كان يعتني ببعض الماعز في منطقة "كافا" بجنوب إثيوبيا، عندما لاحظ أنّ حيواناته أصبحت أكثر نشاطًا حينما تأكل التوت، فقام بغلي التوت ليصنع أول فنجان من القهوة!، ومن المؤكد أنّ أول مرة خرج فيها مشروب القهوة إلى خارج إثيوبيا كان إلى اليمن حيث شربها "صفي" كي يظل يقظاً طوال الليل ليصلي في مناسبة خاصة، في أواخر القرن الخامس عشر وصلت القهوة إلى مكة وتركيا، التي منها وصلت إلى فينسيا في عام 1645م، ثُمّ إلى إنجلترا بعد خمس سنوات في 1650م بواسطة تركيّ يدعى "باسكوا روسي" الذي فتح أول "محل قهوة" في شارع لومبارد بمدينة لندن، القهوة العربية صارت بعد ذلك تركية ثم إيطالية وإنجليزية!
2- قدماء اليونانيين ظنوا أنّ أعيننا تُخرِج أشعة مثل الليزر والتي تجعلنا قادرين على الرؤية، أول شخص لاحظ أن الضوء يدخل إلى العين ولا يخرج منها كان عالم رياضي وفيزيائي وفلكي مسلم، وهو الحسن بن الهيثم؛ حيث اكتشف أنّ الإبصار يحدث بسبب سقوط الأشعة من الضوء على الجسم المرئي مما يمكِّن للعين أن تراه، ولكنّ العين لا تخرج أشعة من نفسها، وإلا كيف لا ترى العين في الظلام ؟ واكتشف ابن الهيثم ظاهرة انعكاس الضوء، وظاهرة انعطاف الضوء أي انحراف الصورة عن مكانها في حال مرور الأشعة الضوئية في وسط معين إلى وسط غير متجانس معه، كما اكتشف أنّ الانعطاف يكون معدوماً إذا مرت الأشعة الضوئية وفقًا لزاوية قائمة من وسط إلى وسط آخر غير متجانس معه، ووضع ابن الهيثم بحوثًا في ما يتعلق بتكبير العدسات، وبذلك مهّد لاستعمال العدسات المتنوعة في معالجة عيوب العين، ويعتبر الحسن بن الهيثم أول من انتقل بالفيزياء من المرحلة الفلسفية للمرحلة العملية.
3- كان هناك أحد أشكال لعبة الشطرنج في الهند القديمة، لكن اللعبة طُوِّرت إلى الطريقة التي نعرفها الآن في بلاد فارس (إيران)، من هناك انتشرت اللعبة غربًا إلى أوروبا؛ حيث قدمها المغاربة في أسبانيا في القرن العاشر الميلادي، وانتشرت شرقًا إلى اليابان، تستعمل في الغرب كلمة rook لطابية الشطرنج كما نعرفها، ويعود أصل هذه الكلمة إلى كلمة "رُخ" العربية.
4- قبل آلاف السنوات من تجربة الأخوان رايت في بريطانيا للطيران كان هناك شاعر وفلكي وموسيقي ومهندس مسلم يدعى "عباس بن فرناس" قام بمحاولات عديدة لإنشاء آلة طيران، في عام 825 قفر من أعلى مئذنة الجامع الكبير في قرطبة مستخدما عباءة صلبة غير محكمة مدعمة بقوائم خشبية، كان يأمل أن يحلق كالطيور، لم يفلح في هذا ولكن العباءة قللت من سرعة هبوطه، مكونة ما يمكن أن نسميه أول "باراشوت"، وخرج من هذه التجربة فقط بجروح بسيطة، في 875هـ حين كان عمره 70 عامًا، قام بتطوير ماكينة من الحرير وريش النسور ثم حاول مرة أخرى بالقفز من أعلى جبل هذه المرة، وصل هذه المرة إلى ارتفاع عال، وظل طائرًا لمدة عشر دقائق، لكنه تحطّم في الهبوط! كان ذلك بسبب عدم وضع "ذيل" للجهاز الذي ابتكره كي يتمكن من الهبوط بطريقة صحيحة، مطار بغداد الدولي وفوهة أحد البراكين في المغرب تم تسميتهما على اسمه.
5- الاغتسال والنظافة متطلبات دينية لدى المسلمين، ربما كان هذا السبب في أنّهم طوروا شكل الصابون إلى الشكل الذي مازلنا نستخدمه الآن! قدماء المصريين كان عندهم أحد أنواع الصابون، تمامًا مثل الرومان الذين استخدموها غالبا كـمرهم! لكن العرب هم من جمعوا بين زيوت النباتات وهيدروكسيد الصوديوم والمواد الأروماتية مثل الـ "thyme oil"، كان أحد أكثر خصائص الصليبيون غرابة بالنسبة للمسلمين كانت أنهم لا يغتسلون، الشامبو قدم في انجلترا لأول مرة حينما قام أحد المسلمين بفتح أحد محلات الاستحمام بالبخار في "بريتون سيفرونت" في عام 1759م.
6- التقطير ووسائل فصل السوائل من خلال الاختلافات في درجة غليانها، اخترعت في حوالي العام 800 م، بواسطة العالم المسلم الكبير "جابر بن حيان"، الذي قام بتحويل "الخيمياء" أو "الكيمياء القديمة" إلى "الكيمياء الحديثة" كما نعرفها الآن، مخترعًا العديد من العمليات الأساسية والأدوات التي لا نزال نستخدمها حتى الآن؛ السيولة، والتبلور، والتقطير، والتنقية، والأكسدة، والتبخير والترشيح، جنبًا إلى جنب مع اكتشاف الكبريت وحمض النيتريك، اخترع جابر بن حيان أمبيق التقطير -تستخدم الانجليزية لفظ alembic وهو مشتق من لفظ "إمبيق" العربي- وهو آلة تستخدم في عملية التقطير، مقدمًا للعالمَ العطور وبعض المشروبات الكحولية، ويذكر الكاتب أنّ ذلك حرام في الإسلام، استخدم ابن حيان التجربة المنظمة ويعتبر مكتشف الكيمياء الحديثة.
7- المضخة جهاز عبارة عن آلة من المعدن تدار بقوة الريح أو بواسطة حيوان يدور بحركة دائرية، وكان الهدف منها أن ترفع المياه من الآبار العميقة إلى أسطح الأرض، وكذلك كانت تُستعمل في رفع المياه من منسوب النهر إذا كان منخفضًا إلى الأماكن العليا، صنعت بواسطة مهندس مسلم بارع يسمى "الجزري"، هذه المضخة هي الفكرة الرئيسية التي بُنيت عليها جميع المضخات المتطورة في عصرنا الحاضر والمحركات الآلية كلها ابتداء من المحرك البخاري الذي في القطار أو البواخر إلى محرك الاحتراق الداخلي الذي يعمل بالبنزين كما في السيارة والطائرة، ويعتبر "الجزري" هو الأب الروحي لعلم الـ robotics والخاص بتصنيع الـrobots كما نعرفها اليوم، من ضمن اختراعاته الخمسين الأخرى كان الـ" combination lock" وهي التي نراها اليوم في طريقة قفل بعض الحقائب والخزانات باستخدام بعض الأرقام بجوار بعضها مكونة شفرة.
8- وضع طبقة من مادة أخرى بين طبقتين من القماش، تعتبر إحدى طرق الخياطة وغير معروف إذا كانت ابتكرت في العالم الإسلامي أم أنّها قد نشأت أولاً في الهند أو الصين، ولكن من المؤكد أنّها وصلت للغرب من خلال الصليبيين، عندما رأوا بعض المحاربين المسلمين يرتدون قمصانًا مصنوعة بهذه الطريقة بدلاً من الدروع والتي كانت مفيدة جدًّا كوسيلة للحماية من أسلحة الصليبيين المعدنية؛ حيث كونت نوعًا من أنواع الحماية لهم، وهي تعتبر أول "قميص واقي من الرصاص في العالم"، استخدمها الغرب هذه الطريقة فيما بعد للوقاية من برودة الجو في دول مثل بريطانيا وهولندا.
9- تُعدُّ الأقواس مستدقة الطرف من أهم الخصائص المعمارية التي تميز كاتدرائيات أوروبا القوطية، فكرة هذه الأقواس ابتكرها المعماريون المسلمون، وهي أقوى بكثير من الأقواس مستديرة الطرف والتي كان يستخدمها الرومان والنورمانيون، لأنها تساعدك على أن يكون البناء أكبر وأعلى وأكثر تعقيدًا، اقتبس الغرب من المسلمين أيضًا طريقة بناء القناطر والقباب.
قلعات أوروبا منسوخة الفكرة أيضًا من العالم الإسلامي، بدءًا من الشقوق الطولية في الأسوار، وشرفات القلعة، وطريقة الحصن الأمامي، وحواجز الأسقف، والأبراج المربعة، والتي كانت تسهل جدًّا حماية القلعة، ويكفي أن تعرف أنّ المهندس المعماري الذي قام ببناء قلعة هنري الخامس كان مسلمًا.
10- العديد من الآلات الجراحية الحديثة المستخدمة الآن لا زالت بنفس التصميم الذي ابتكرها به الجراح المسلم "الزهراوي" في القرن العاشر الميلادي، هذه الآلات وغيرها أكثر من مائتي آلة ابتكرها لا زالت معروفة للجراحين اليوم، وكان "الزهراوي" يجري عملية استئصال الغدة الدرقية Thyroid، وذكر "الزهراوي" علاج السرطان في كتابه (التصريف) قائلاً: "متى كان السرطان في موضع يمكن استئصاله كله كالسرطان الذي يكون في الثدي أو في الفخد ونحوهما من الأعضاء المتمكنة لإخراجه بجملته، إذا كان مبتدئًا صغيرًا فافعل، أما متى تقدم فلا ينبغي أن تقربه فإني ما استطعت أن أبرئ منه أحدًا، ولا رأيت قبلي غيري وصل إلى ذلك"، وهي عملية لم يجرؤ أيّ جراح في أوربا على إجرائها إلا في القرن التاسع عشر بعده أي بتسعة قرون، في القرن الثالث عشر الميلادي.
طبيب مسلم آخر اسمه "ابن النفيس" شرح الدورة الدموية الصغرى، قبل أن يشرحها ويليام هارفي بـثلاثمائة عام.
اخترع علماء المسلمين أيضًا المسكنات من مزيج مادتي الأفيون والكحول، وطوروا أسلوبًا للحقن بواسطة الإبر لا يزال مستخدمًا حتى الآن.
11- اخترع المسلمون طواحين الهواء في عام 634م، وكانت تستخدم لطحن الذرة وريّ المياه في الصحراء العربية الواسعة، عندما تصبح جداول المياه جافة، كانت الرياح هي القوة الوحيدة التي يهب من اتجاه ثابت لمدة شهور، الطواحين كانت تحتوي على 6 أو 12 شراعًا مغطاة بأوراق النخل، كان هذا قبل أن تظهر طواحين الهواء في أوروبا بخمسمائة عام!
12- فكرة التطعيم لم تبتكر بواسطة جبنر وباستير ولكن ابتكرها العالم الإسلامي، ووصلت إلى أوروبا من خلال زوجة سفير بريطانيا في تركيا وتحديدًا في اسطنبول عام 1724م، الأطفال في تركيا طعِّموا ضد الجدري قبل خمسين عامًا من اكتشاف الغرب لذلك!
13- القلم الجاف اخترع في مصر أول مرة لأجل السلطان في عام 953م، حينما طلب قلمًا لا يلوث يديه أو ملابسه، وكان القلم يحتوي على الحبر في خزانة مثل الأقلام الحديثة.
14- نظام الترقيم المستخدم في العالم الآن ربما كان هندي الأصل ولكن طابع الأرقام عربي، وأقدم ظهور له في بعض أعمال عالمي الرياضة المسلمين الخوارزمي والكندي حوالي العام 825م، سميت "Algebra" على اسم كتاب الخوارزمي "الجبر والمقابلة"، والذي لا يزال الكثير من محتوياته تستخدم حاليًّا، الأفكار والنظريات التي توصل لها علماء الرياضيات المسلمين نُقِلَت إلى أوروبا بعد ذلك بـ300 عام على يد العالم الإيطالي فيبوناشي، الـ" Algorithms" وعلم المثلثات نشئوا في العالم الإسلامي.
15- علي بن نفيس والمعروف باسم "زيراب"، قدم من العراق إلى قرطبة في القرن التاسع الميلادي، وعرّف الغرب لأول مرة بمبدأ الثلاث وجبات اليومية، وقدّم أيضًا البلّور أو الزجاج الشفاف لأول مرة والذي تم اختراعه بعد عدة تجارب بواسطة عباس بن فرناس.
16- بواسطة تقدمهم العالي في فنون الحياكة، ووجود أصباغ جديدة بفضل تقدم المسلمون في الكيمياء بالإضافة لوجود الحس العالي في استخدام النقوش والتي كانت أساسًا للفن الإسلامي غير التصويري، برع المسلمون في صناعة السجاجيد وغيرها، على العكس في الجهة الأخرى كانت الأرضيات في أوروبا بوضوح بلا أغطية حتى وصلتها السجاجيد العربية والفارسية والتي قدمت في إنجلترا كما سجل إيسراموس: "الأرضيات كانت مفروشة بالحشائش، ونادرًا ما تُجدَّد، وأحيانًا كثيرة كانت تُترك مخلفات البشر والحيوانات وفتات الأطعمة في الشوارع".
17- كلمة "check" الغربية أتت في الأصل من الكلمة العربية "صك" وهي عبارة عن وصل مكتوب يستخدم لشراء السلع، وذلك لتفادي مشاكل نقل الأموال وتعرضها للمناطق الخطرة، في القرن التاسع عشر كان يستطيع رجل الأعمال المسلم أن يدفع في الصين بواسطة شيك لبنك في بغداد!!
18- في القرن التاسع عشر قال الكثير من علماء المسلمين إن الأرض كروية، وكان الدليل كما قال الفلكي "ابن حزم" أنّ الشمس دائمًا ما تكون عمودية على نقطة محددة على الأرض، كان ذلك قبل أن يكتشف جاليليو ذات النقطة بـ500 عام، (نلاحظ أنّ ابن حزم لم يعدم لقوله هذا عكس ما حدث مع جاليليو من الكنيسة!).
كانت حسابات الفلكيين المسلمين دقيقة جدًّا؛ حيث إنّه في القرن التاسع حسبوا محيط الأرض ليجدوه 40253.4 كيلومتر وهو أكثر من المحيط الفعلي بـ200 كيلومتر فقط!، كما رسم العالم الإدريسي رسمًا للكرة الأرضية لأحد الملوك في عام 1139 ميلادية.
19- إذا كان الصينيون هم من اكتشفوا البارود واستخدموه في إشعال النيران، فإنّ العرب هم أول من نقّى البارود باستخدام نترات البوتاسيوم ليكون صالحًا للاستعمال الحربي، مما أصاب الصليبيين بالرعب، وفي القرن الخامس عشر نجح المسلمون في اختراع أول صاروخ وأول طوربيد بحري.
20- في العصور الوسطى كان لدي الأوروبيون مطابخ وحدائق عشبية، ولكن العرب هم من طوروا فكرة الحديقة كمكان للجمال والتأمل.
تابع القراءة

رُؤُوسُ الأَسِنَّةِ فِي ذَمِّ إِعْلامِ الْفِتْنَة

8:03 م نشر في : التعليقات

هذه قصيدة افتتحتها بحول الله بعد عصر الأربعاء 13 صفر 1434هـ، في مسجد "هبة الرحمن" بالطالبية الجيزة، حتى بلغت 39 بيتاً. ثم أقبل المغرب وانشغلت حتى العشاء؛ ثم تابعت النظم وقت السحر حتى تمت فجر الخميس 14 صفر "يوم تمام البدر"؛ وذك أنني آلمني ما كان من هجماتِ إعلام الضلال على أهل الدين، وسخريتهم من العلماء والشيوخ على مدار الأسابيع الماضية.

وقد فكرت كثيراً في نظم قصيدة ترد عليهم وتذكرهم ببعض ما فيهم من خصال الفساد والبغي، إلا أن تتابع الأحداث أذهبني إلى غير ذلك حتى كان اتصال بفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور بدران العياري حفظه الله -أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر الشريف- والذي أخبرني أنه انتدبني وناشدني عبر قناة الخليجية للرد على هذا الإعلام الفاحش، لاسيما المدعو باسم يوسف عليه من الله ما يستحق. فشمرت عن ساعد الجد وكان ما نظمت.

ولقد أتت في 82 بيتاً على بحر الكامل، وأنهيتها بذكر عد أبياتها في البيت 81 في قولي: "أَبْيَاتُهَا أُمَماً" وذلك أن كلمة " أمما" تساوي حروفها "82" بحساب الجمل.

وذكرت تاريخها في البيت 82 بقولي: "تَارِيْخُهَا غَادٍ أَتَى أَهْلاً صَفَرْ* وذلك أن كلمة "غاد أتى أهلا" تساوي 1434 بحساب الجمل وأما كلمة "صفر" فهي للشهر الكريم.


رُؤُوسُ الأَسِنَّةِ فِي ذَمِّ إِعْلامِ الْفِتْنَةِ
 

للهِ رَبِّ الْعَرْشِ إِنِّي أَنْظِمُ ‍*** أَرْجُو بِهِ الْفِرْدَوْسَ، نِعْمَ الْمَغْنَمُ
لَبَّيْتُ أُسْتَاذَ الْحَدِيْثِ مُنَاشِداً ‍*** أَنْ قَالَ لِي بَدْرَانُ: أَنْشِئْ كَارِمُ

جَاءَتْ عَلَى بَحْرِ الْكَمَالِ فَكَمَّلَتْ ‍*** أَتْرَابَ دِيْوَانِي بِمِسْكٍ تُخْتَمُ
نَظَّمْتُهَا بِعَشِيَّةٍ فِي مَسْجِدِي ‍*** فِي الْبِيضِ مِنْ صَفَرٍ لِعَبْدٍ يَفْهَمُ

أَوْزَانُهَا حَمَلَتْ "رُؤُوسَ أَسِنَّةٍ" ‍*** تَقْضِي عَلَى أَهْلِ الْفُجُوْرِ وَتَقْصِمُ
فِيْهَا الْخَنَاجِرُ وَالرِّمَاحُ سَدِيْدَةٌ ‍*** وَحَوَاسِمُ الأَبْيَاتِ فَهْيَ صَوَارِمُ

وَالْقَوْسُ فِي يُسْرَايَ، تِلْكَ كِنَانَتِي ‍*** سَهْمٌ تَلا سَهْمَاً تُصِيْبُ وتُفْحِمُ
وَرِمَاحُهَا حَلَّتْ بِكُلِّ مُضَلِّلٍ ‍*** مِنْ ثُلَّةِ الإعْلامِ لَيْسَتْ تَحْرُمُ

أَعْجَازَ نَخْلٍ صَيَّرَتْهُمْ رَمْيَتِي ‍*** صَرَعَى تُجَنْدِلُهُمْ بِحَيْثُ تَرَاهُمُ
وَبَيَانُهُمْ فِيْمَا يَلِي لِمَنْ ابْتَغَى ‍*** تَعْرِيْفَهُمْ لِذَوِي الْحِجَا، فَتَقَدَّمُوا

سَهْمٌ لِوَائِلِهِمْ يَقُدُّ ضُلُوْعَهُ ‍*** أَرْدَاهُ فِي الْحُلْقُوْمِ ذُقْ يَا ظَالِمُ
كَمْ قُلْتَ زُوْراً وَافْتَرَيْتَ ضَلالَةً ‍*** وَنَشَرْتَ بُهْتَاناً؟ لأَنْتَ الآثِمُ

أَفَكَ "الْحَقِيْقَةَ" بالْحَرَائِقِ قَدْ سَرَتْ ‍*** أَمَّا بِـ"عَاشِرَةِ الْمَسَاءِ" فَأَشْأَمُ
فَإِلَيْكَ هَذَا السَّهْمُ قَدْ أَرْسَلْتُهُ ‍*** يُرْدِيْكَ لا يُرْضِيْكَ رُمْحٌ مُلْجِمُ

وَعَلَيْكَ يَا "خَيْرِي" وَلا خَيْراً يُرَى ‍*** فِي "مُمْكِنٍ" بُهْتَانُهُ هُوَ أَعْظَمُ
أَنَّى لَهُ عِلْمُ الْغُيُوْبِ مُحَذِّرًا ‍*** مِنْ حَرْقِ "مَجْمَعِنَا" تُرَى هَلْ يُلْهُمُ؟

وَعَلَيْهِ كِفْلٌ مِنْ خَطِيْئَةِ غَلِّهَا ‍*** قَنَوَاتِ إِسْلامِ الْهُدَى هَلْ يَنْدُمُ؟
فَاطْعَمْ ذُبَابَ السَّيْفِ سَيْفَ فَصَاحَتِي ‍*** فِي حَدِّهُ سُمٌّ فَبِئْسَ الْمَطْعَمُ

وَ"لَمِيْسُ" أُفٍّ أَلْفُ أُفٍّ قُلْ لَهَا ‍*** حَمَّالَةَ الأوْزَارِ أَنَّى تَسْلَمُ؟
فَوَّاحَةٌ بِالْحِقْدِ ذَاعَ فَأَزْكَمْتْ ‍*** قُوْلُوا لَهَا: كُفِّي فَقَدْ بِخِرَ الْفَمُ

شَيْطَانُهَا يُوْحِي بِزُخْرُفِ قَوْلِهَا ‍*** يُصْغِي إِلَيْهِ الْجَاهِلُ الْمُتَوَهِّمُ
فَلَهَا نِبَالٌ مِنْ نَبِيْلِ قَصَائِدِي ‍*** تَفْرِي فِرَاهَا بِالْهُدَى وَتُحَطِّمُ

وَلِزَوْجِهَا: تَبَّتْ يَدَاهُ وَتَبَّ مِنْ ‍*** مُتَلَوِّنٍ؛ تَلْقَاهُ لا يَتَحَشَّمُ
يَبْكِي عَلَى رَقْصٍ وَخَمْرٍ مِثْلَمَا ‍*** جَلَّادُهُمْ مَجْدِي؛ فَتُبْ يَا مُسْلِمُ

هَذَا أَبُو لَهَبٍ وَذَاكَ عَشَنَّقٌ ‍*** مَحْمُوْدِ سَعْدٍ مِثْلُهُمْ يَتَعَالَمُ
يَا سَعْدَ "سَعْدٍ" بِابْنِهِ"وَنَهَارِهِ" ‍*** رَغْمَ "الْكَوَاكِبِ" إِنَّ لَيْلَكَ مُظْلِمُ!

وَ"مُنَى" وَ"هَالَةُ" حَسْبُهُنَّ تَبَرُّجٌ ‍*** وَالنَّهْجُ حَرْبُ الدِّيْنِ، قَوْمٌ قَدْ عَمُوا
وَمَعَ الأدِيْبِ عِمَادِهِمْ"بِهُدُوْئِهِ" ‍*** سُمٌّ زُعَافٌ حَاذِرُوا أَنْ تَنْدَمُوا

أَوَ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلُ ذَيْلَ مُبَارَكٍ؟ ‍*** كَرِفَاقِهِ بَلْ كُنْتَ أَقْرَبَ مِنْهُمُ
وَمَعَ الأَرَاجُوْزِ الطَّبِيْبِ فَوَقْفَتِي ‍*** هُوَ بَاسِمٌ بِالْبُهْتِ وَيَحَكَ بَاسِمُ

وَتَرَاهُ فِي "الْبَرْنَامَجِ" اجْتَمَعُوا لَهُ ‍*** يُلْقِي عَلَيْهِمْ مَكْرَهُ يَتَهَكَّمُ
بِبَرَاعَةٍ وَوَضَاعَةٍ وَسَفَاهَةٍ ‍*** وَخَفِيْفِ ظِلٍّ إِنَّهُ يَتَكَلَّمُ

سَخِرَ الأَرَاجُوْزُ الْمَهِيْنُ تَهَزُّؤًا ‍*** فُحْشًا وَنُكْراً فَاضْحَكُوا وَتَبَسَّمُوا
يَتَنَاوَلُ الْعُلَمَاءَ بِئْسَ صَنِيْعُهُ ‍*** مُتَقَوِّلاً لا مُنْصِفاً، يَا مُجْرِمُ!

يَتَنَاوَبُوْنَ عَلَى الدُّعَاةِ مُرَادُهُمْ ‍** تشْوِيهُ صُوْرَتِهِمْ؛ فَبِئْسَ الْمَغْنَمُ؟
قَصٌّ وَلَصْقٌّ لا أَمَانَةَ إِنَّمَا ‍*** إِفْكٌ وَزُوْرٌ، رَاجِعُوا وَلْتَحْكُمُوا

بَلْ يُنْفِقُونَ الْمَالَ وَيْحَ مَنْ افْتَرَى ‍*** لِلصَّدِّ عَنْ دِيْنِ الإلَهِ وَقَدْ عَمُوا
فَسَيُنْفِقُوْنَ وَإِنَّهَا لَعَلَيْهِمُ ‍*** تَتَنَزَّلُ الْحَسَرَاتُ تَتْرَا تَهْجُمُ

وَاللهُ نَاصِرُ دِيْنِهِ رَغْمَ الْعِدَا ‍*** وَمُؤَيِّدٌ أَجْنَادَهُ فَتَقَدَّمُوا
مَاذَا أَقُوْلُ لَهُمْ وَتِلْكَ فَصَاحَتِي ‍*** أنِفَتْ مِن الإفْصَاحِ كَيْفَ أُتَرْجِمُ؟

إِنْ صُغْتُ رَداً قِيْلَ: ذِي أَخْلاقُهُمْ؟ ‍*** وَإِذَا سَكَتُّ تَكَاثُرُوا وَتَعَاظَمُوا
وَإِذَا أَلَنْتُ الْقَوْلَ قَالُوا: وَاهِنٌ ‍*** وَإِذَا دَعَوْتُ إِلَى الْفَضِيْلَةِ جَمْجَمُوا!

وَإِذَا بَدَا عَيْبٌ لِبَعْضِ شُيُوْخِنَا ‍*** هَاجُوا عَلَيْهِ وَشَهَّرُوا وَاسْتَعْظَمُوا
يَا قَوْمُ لَيْسَتْ لِلشُّيُوْخِ قَدَاسَةٌ ‍*** لَكِنْ نُجِلُّهُمُ وَلَسْنَا نَعْصِمُ

فَلْتَعْدِلُوا فِي حُكْمِكُمْ وَلْتُقْسِطُوا ‍***وَلْتُنْصِفُوا وَلْتَصْدُقُوا إِنْ قُلْتُمُ
فَلَكَمْ بَدَا مِنْكُمْ قَبَائِحُ تُزْدَرَى ‍*** وَفَوَاحِشُ الأَفْعَالِ، لَمْ تَتَكَلُّمُوا

وَعَلَى بَنِي عَبْدِ الصَّلِيْبِ وَمَنْ بَغَى ‍*** صَبَرُوا وَأَخْفَوْا جُرْمَهُ وَتَكَتَّمُوا!
كَمْ سَبَّ ذَاتَ اللهِ زِنْدِيْقٌ؟ فَمَا ‍*** لامُوْهُ بَلْ صَانُوْهُ قَالُوا: مُلْهَمُ!

وَمَعَ النَّصَارَى يَبْذُلُوْنَ وِدَادَهُمْ ‍*** وَيُسَارِعُوْنَ، وَإِنَّهُ لَمُحَرَّمُ
وَيُقَدِّمُ الْفَنَّانُ فِي أَفْلامِهِ ‍*** فُجْرًا وَفِسْقًا ظَاهِرًا، وَيُكَرَّمُ!

وَإِذَا تَعَرَّتْ قِيْلَ: فَنٌّ يَرْتَقِي ‍*** وَالرَّقْصُ إِبْدَاعٌ وَذَوْقٌ فَافْهَمُوا
وَتَنَاوَل الرَّسَّامُ شِرْعَةَ رَبِّنَا ‍*** فِي لِحْيَةٍ وَنِقَابِهَا يَتَوَسَّمُ

هَلا رَسَمْتَ إِذًا قَسَاوِسَةً كَذَا ‍*** أَوْ رَاهِبَاتِ الدَّيْرِ فِيْمَا تَرْسُمُ؟
وَيُجَاهِرُوْنَ: نُرِيْدُهَا مَدَنِيَّةً ‍*** لا شِرْعَةَ الإسْلامِ نَرْضَى فَاعْلَمُوا

صَلُّوْا كَمَا شِئْتُمْ وَصُوْمُوا وَاعْبُدُوا ‍*** إِلا الدِّيَانَةَ فِي السَّيَاسَةِ فَافْصِمُوا
وَيُقَدِّسُوْنَ صَلِيْبَ عُبَّادِ الْهَوَى: ‍*** لِلْقَوْمِ مُعْتَقَدٌ صَحِيْحٌ قَائِمُ

وَإِذَا يُقَالُ لَهُمْ: تَعَالَوْا وَاسْمَعُوا ‍*** وَإِلَى كِتَابِ اللهِ فَلْتَتَحَاكَمُوا
"لَوَّوْا رُؤُوْسَهُمُ" وَأَعْرَضَ بَعْضُهُمْ ‍*** وَإِذَا رَأَوْا حَقًّا لَهُمْ يَأْتُوْكُمُ!

وَيُعِيْنُهُمْ فِي غَيِّهِمْ وَضَلالِهِمْ ‍*** بَعْضُ الشُّيُوْخِ الْحَاقِدِيْنَ، تَجَشَّمُوا
لَبِسُوا مُسُوْحَ الْعِلْمِ ـ لَيْسُوا أَهْلَهَا ‍*** "يَلْوُونَ" بِالآيَاتِ، قُبِّحَ ذَا الْفَمُ!

يَتَصَايَحُونَ: مَكَارِمَ الأَخْلاقِ، لا ‍*** نَرْضَى الإسَاءَةَ، يَا دُعَاةُ تَحَلَّمُوا
بِالْوَعْظِ بِالْحُسْنَى وَحِكْمِةِ دِيْنِنَا ‍*** وَالرَّحْمَةِ الْمُهْدَاةِ لا تَتَجَهَّمُوا

أَيْنَ التَّسَامُحُ؟ أَيْنَ عَفْوُ رَسُوْلِنَا؟ ‍*** "لَوْ كُنْتَ فَظًّا"؛ فَاقْرَءُوْهَا وَالْزَمُوا
"مَا بَالُ أَقْوَامٍ"؟ بِلا فَضْحٍ وَلا ‍*** تَشْهِيْرِ أَسْمَاءٍ فَهَذَا أَقْوَمُ

إِنَّ التَّنَابُزَ "بِئْسَ الاسْمُ"، وَإِنَّهُ ‍*** بُرْهَانُ جَهْلٍ فَاسْكُتُوا كَيْ تَسْلَمُوا
مَهْلا أَيَا دُكْتُوْرُ هَلا قُلْتَ مَا ‍*** حُكْمُ الشَّرِيْعَةِ فِي الإسَاءَةِ مِنْهُمُ؟

وَ"الْقَدْحُ لَيْسَ بِغِيْبَةٍ فِي سِتَّةٍ ‍*** مُتَظَلِّمٍ وَمُعَرِّفٍ" فَلْتَعْلَمُوا
"وَمُجَاهِرٍ فِسْقاً وَمُسْتَفْتٍ"كَمَا ‍*** "لِكَمَالِ دِيْنٍ" إِنَّهُ لَمُعَلَّمُ

أَوَلَمْ تَرَ الأَفْلامَ تَسْخَرُ تَزْدَرِي ‍*** زِيَّ الأئِمَّةِ هَلَ نَرَاكَ تَكَلَّمُ؟
أَمْ لَمْ تُنَبَّأْ بِالذِّي يَرْوُوْنَهُ ‍*** زُوْراً عَلَى الأَصْحَابِ لَمْ يَتَأَثُّمُوا؟

أَمْ لَمْ تَرَ اسْتِهْزَاءَ أَهْلِ بِغَائِهِمْ ‍*** بِالدِّيْنِ وَالْقُرْآنِ أَمْ تَرْضَاهُمُ؟
يَا شَيْخُ قُلْ للهِ: لا لِقَنَاتِكُمْ، ‍*** لا لِلتَّبَرُّجِ؛ إِنَّهُ لَمُحَرَّمُ

لِلْقَوْمِ دِيْنُهُمُ وَإِنَّ عَقِيْدَتِي ‍*** بِالْبِرِّ لا بِالْوُدِّ؛ حُكْمٌ مُحْكَمُ
مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْقَوْمَ أَهْلُ سَلامةٍ ‍*** تَحْتَ الصَّلِيْبِ فَإِنَّهُ يَتَوَهَّمُ

لَكِنْ لِمَنْ؟ وَالشَّيْخُ مُفْتَاتٌ عَلَى ‍*** شَرْعِ الإِلَهِ وَيَدَّعِي: أَنَا عَالِمُ!
فَإِلَى إِلَهِ الْعَرْشِ رَبِّ النَّاسِ قَدْ ‍*** فَوَّضتُّ أَمْرِيَ إِنَّهُ بِيَ أَعْلَمُ

وَلَقَدْ نَظَمْتُ قَصِيْدَتِي فِي وَصْفِهِمْ ‍*** دَفْعاً عَن الْعُلَمَاءِ إِنَّهُمُ هُمُ!
أَوْجَزْتُهُا وَلَوْ ابْتَغَيْتُ لَزِدتُّهَا ‍*** أَرْجُو لِمِصْرَ وَأَهْلِهَا أَنْ يَنْعَمُوا

تَمَّتْ بِحَوْلِ اللهِ فَجْرَ خَمِيْسِنَا ‍*** يَوْمَ التَّمَامِ وَإِنَّنِي لَمُتَيَّمُ
لَمُتَيَّمٌ بِهَوَاكِ يَا أَرْضَ الرَّضَا ‍*** وَبِمِصْرَ إِنَّ الْقَلْبَ قَلْبِيَ مُغْرَمُ

أَبْيَاتُهَا: "أُمَماً" أَتَتْ بِبَرَاعَةٍ ‍*** فِي عِقْدِ تِيْجَانِ الْبَلاغَةِ تُنْظَمُ
تَارِيْخُهَا: "غَادٍ أَتَى أَهْلاً"، "صَفَرْ" ‍*** فِي ذَمِّ إِعْلامِ الضَّلالِ تُتَرْجَمُ

تابع القراءة

تحميل جميع مناظرات الشيخ احمد ديدات بروابط مباشرة

7:55 م نشر في : التعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

والله أخوانى فرصه طيبه جداً تكاد تكون نادره للحصول على كافة مناظرات فضيلة الشيخ الكريم

أحمــــــــــــــــــــــد ديـــــــــــــــــــــــــــــــدات



والفرصه لا تكمن ندرتها فى كونك يمكنك الحصول على كافة المناظرات فحسب بل هناك ما هو
أروع من ذلك أن المناظـرات بكوالتـــــى عالـــى جــداً DVD تم ضغطها RMVB ذلك الامتداد
المشهور بالنقـاء الممتـــــاز جـــــداً ومساحـــه قليلة جداً مقارنة بحجم الملف قبل الضغـــط، 
و لتشغيل هذا النوع من الامتدادات يلزمكم برنامج الريل بلير...

- وليس هذا فحسب بل هناك المزيد من المفاجآت ... هناك لقـــــاء كامـل والكمال لله وحـده لمدة
حوالى ساعـه وربع مـع فضيلــــــــــة الشيــــخ أحمـــد ديــــــــدات .... يتحدث فيه عن حياته ...

- أنتظر إلى أين انت ذاهب .. أنا حلفت بالله أنها فرصه .. هل تعتقد انى أقسمت على ذلك فحسب
لازال هناك مفاجآه أخيره: أخونا الكريم الذى ضغط المناظرات قــام بضغطها على ثـلاث أعدادات
وقام برفعها على الأنترنت فبإمكانكم أخوانى الكرام تحميل المناظرات بكوالتى DVD أو بكوالتى
متوسط أو بكوالتى ضعيف كل منا على حسب ما يريد ...

فبارك الله فيمن تحمـــــل عبء ضغط المناظــــرات وكذلك من تحمل عبء رفعها على الانترنت
فلاشك أن قيامه بذلك اخذ منه وقت وجهـــــد كبيــــر جـــداً وجزاه الله سبحانه وتعالى كل الخير
عنا وعن كل من سيستفيد بهذه المناظرات القيمه وحسبها الله صدقه جاريه له يُجزى عنها خيراً
حتى يوم القيامه إن شاء الله ... أرجو ألا تنسوه من صالح دعواكم أخوانى الكرام بارك الله فيكم ...


ومن يريد ان يتعرف أكثر على فضيلة الشيخ أحمد ديدات يمكنه زيارة موقعه من « هنـــــــــــــا »
او عن طريق الضغط على الصــــــورة التاليــــــة ...




قبـــل أضافة الروابط أود تذكيركم أخوانى أن المناظــــرات تم ضغطها بأكثر من كوالتى لذلك سأضيف
صور لتعرفوا الفارق بين كل كوالتى والأخر ولكم الحكم فى النهاية...

« كوالتى DVD »


« كوالتى متواسط »


« كوالتى منخفض »


لقد تعمدت أخذ السكرين شوت فى ذات اللحظه حتى يسهل عليكم أخوانى الكرام المقارنه ...
وبالتالى يسهل عليكم الأختيار إن شاء الله ...



« والأن إليكم اخوانى الكرام روابط تحميل المناظرات - السيرفر صاروخ بسم الله ما شاء الله »

«« لقاء مع فضيلة الشيخ أحمد ديدات لمدة حوالى ساعة وربع .. يتحدث فيه عن حياته »»

تحميل اللقاء بكوالتى DVD
رابط اخر

تحميل اللقاء بكوالتى متوسط
رابط اخر

تحميل اللقاء بكوالتى منخفض
رابط اخر

«« المناظرة الأولى : القرآن الكريم معجزة المعجزات »»

تحميل المناظرة بكوالتى DVD
رابط اخر

تحميل المناظرة بكوالتى متوسط
رابط اخر

تحميل المناظرة بكوالتى منخفض
رابط اخر

«« المناظرة الثانية : هل الكتاب المقدس حقاً كلمة الله؟ مع القس الدكتور ستالين شوبارج »»

تحميل المناظرة بكوالتى DVD
رابط اخر

تحميل المناظرة بكوالتى متوسط
رابط اخر

تحميل المناظرة بكوالتى منخفض
رابط اخر

«« المناظرة الثالثة : هل الكتاب المقدس كلمة الله ؟ مع القس جيمي سواجارت »»

تحميل المناظرة بكوالتى DVD
رابط اخر

تحميل المناظرة بكوالتى متوسط
رابط اخر

تحميل المناظرة بكوالتى منخفض
رابط اخر

«« المناظرة الرابعه : صلب المسيح حقيقة ام خيال؟ مع القس الدكتور روبرت دوجلاس »»

تحميل المناظرة بكوالتى DVD
رابط اخر

تحميل المناظرة بكوالتى متوسط
رابط اخر

تحميل المناظرة بكوالتى منخفض
رابط اخر

«« المناظره الخامسة : هل المسيح اله؟ مع القس الدكتور ستالين شوبرج »»

تحميل المناظرة بكوالتى DVD
رابط اخر

تحميل المناظرة بكوالتى متوسط
رابط اخر

تحميل المناظرة بكوالتى منخفض
رابط اخر

«« المناظرة السادسة : هل عيسى رب؟ مع القس انيس شروش »»

تحميل المناظرة بكوالتى DVD
رابط اخر

تحميل المناظرة بكوالتى متوسط
رابط اخر

تحميل المناظرة بكوالتى منخفض
رابط اخر

ملاحظـــــــه أخيره : أرجو ان تعملوا أخوانى الكرام على نشر الموضوع ولو حتى نســــخ ولصق فى منتدى أخر،
و ليسهل الأمر عليكم فإني أرفق كود الـ HTML، كل ما عليك هو نسخ الكود...<<اضغط هنا من فضلك للحصول على الكود>>

كما أرجو لو من بينكم من يتعامل مع برامج التورنت أن ينشر المناظرات عن طريق مواقع التورنت،
و كذالك مواقع google video و youtube و yahoo video ...
فلئن اهتدى شخص فكلنا شركاء في هدايته و كلنا ان شاء الله لنا الاجر...

لا يوجد حقوق نقل... حقوق النقل محفوظه لكل مسلم... حقوق النقل محفوظه لكل من اراد الخير بالاسلام... انقلوا من غير كتابة كلمة منقول... انقلوها و انشروها بارك الله فيكم...

جزانى الله وإياكم كل الخير ...

أرجو لكم تحميل موفق والأستفاده إن شاء الله ...


كما أرجو ألا تحرمونى وأهلى من صالح دعواكم ... بالله عليكم اخوانى أدعو لى بالتوفيق
بظهر الغيب فلعل من بينكم رجل صالح يقبل الله منه . جزاه الله عنى كل الخير ...

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تابع القراءة
جميع الحقوق محفوظة اسلامنا حياتنا ©2013-2014 | جميع حقوق تصميم القالب لعرب سوفت